Sunday 08/06/2014 Issue 15228 الأحد 10 شعبان 1435 العدد
08-06-2014

الخويطر .. وهل يجود الزمان بمثله؟

تمتع الملك فيصل رحمه الله برؤية ثاقبة، وبعد نظر، وهو من القيادات النادرة العظيمة التي جمع الله لها بين السمات الفطرية والمكتسبة ما جعله يعيش في الذاكرة بيننا حتى اليوم، يقول عن الخويطر: «إنه ثروة وطنية لا تفرطوا فيه» أو كما قال عنه رحمهما الله جميعا.

الذين عملوا مع عبد العزيز الخويطر رحمه الله، يعرفون تمام المعرفة كم هو ثروة وطنية حقة مخلصة، نزيهة أمينة، وأن الملك فيصل كان محقا في وصفه بهذه الصفة، ومن توفيق الله أن الدولة أحسنت صنعا عندما تمسكت به وأولته ثقتها في المهمات وفي المناصب الإدارية أكثر من خمسين عاما.

من السنوات التي أعدها مشرقة مضيئة في حياتي العملية، تلك التي عملتها في وزارة المعارف -الإشراف التربوي، والتطوير التربوي- حين كان الخويطر وزيرا فيها، كانت السمة المتواترة عن الوزارة، الوقار والأناة، والهيبة والالتزام والانضباط، والعمل الصامت الذي لا ضجيج فيه ولا مواجهة ولا تحدي ولا استفزاز.

كان رحمه الله مدرسة في النزاهة والصرامة والصدق والأمانة، وعندما نستعرض بعضا من ملامح هذه المدرسة، إنما نذكرها للاهتداء بها، والإقتداء بفضائلها، لا سيما والكل في حاجة ماسة إلى مثل هذه السير المضيئة في زمن طغت فيه المادة، وضعفت الإرادة أمام شهوة المال وسطوته، فمن تلك الملامح:

تقدم مقاول مكلف ببناء أحد المشروعات التعليمية بطلب تأجيل استلام المشروع إلى الجهة المختصة في الوزارة، مسوغا طلبه بعدم وصول الكهرب إلى الموقع، أيدت الجهة الطلب ورفعت المعاملة إليه رحمه الله كي يوافق عليها، لم يكن خبا، وما كان للخب أن يخدعه، كلف أحد المسؤولين في مكتبه بأن يقف على المشروع بنفسه ويعد عنه تقريرا، وجاء التقرير بالقول الفصل، المشروع لم ينته بعد، وما الكهرب إلا عباءة لتسويغ تأخير المقاول، وجه رحمه الله بأن يشترى «ماطور» كهرب لاستلام المبنى، جاء التوجيه كالصاعقة على المقاول، انكشفت حيلته، بعدئذ تم تغريم المقاول، وسحب المشروع منه، ونال الجهة المختصة ما تستحق.

شرفت بمرافقته رحمه الله وعدد من الزملاء في إدارات التربية والتعليم والوزارة، في إحدى زيارته التربوية إلى قطر، وكانت صحبته إضافة ثرة في الرؤى والعلاقة، وفي القول والعمل، وفي الرزانة والدماثة وحسن الخلق، في اليوم التالي من العودة من قطر، أتى أحد العاملين في مكتب معاليه ومعه مغلف لا أعلم ما بداخله، قلت له: ما هذا؟ قال: هذه الهدايا التي تلقاها معاليه وزعها بالتساوي بينه وبين كل المرافقين له بالتساوي، عفاف ونزاهة، وسمو خلق.

هل تعرف أحدا يفري فريه؟

التقى بوفد الوزارة إلى المؤتمر الدوري للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وكانت وصيته رحمه الله إقرأوا الوثائق، لأن جل الوفود لا تقرأ، وبالتالي التأثير والفوز لمن قرأ، وبهذا تحظون بفضيلتين: المعرفة، والتأثير في النقاش وتسييره وفق ما يحقق المصلحة التي ترونها.

كان رحمه يعنى كثيرا بقضايا الطلاب والمعلمين، ويولي الطلاب عناية خاصة باعتبارهم الحلقة الأضعف في تناول القضايا ويوصي المسؤولين في مكتبه بالتدقيق في دراستها، والتحقق من أنه لم يقع ظلم أو حيف على الطلاب، أو على المعلمين من قبل إدارات التعليم، فهو من سيتخذ القرار، وبالتالي يحرص على تحري العدالة والصدق في القرار المتخذ، وبعد أعوام من إقرار سلم رواتب المعلمين كان له وقفة صارمة ثابتة من عدم المساس بامتيازاته أو تقليص درجاته.

نجم أضاء سماء التربية والتعليم، وكان رحمه الله يأنف من الإعلام، فهو لا يأبه ببريقه الزائف، ودعايته المضللة، يعنى بالمخرجات والنواتج فهي أصدق عنده إنباء ودلالة على مدى ما تحقق من نجاحات، رحمه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، نجم غاب، هل يجود الزمان بمثله؟

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب