Sunday 22/06/2014 Issue 15242 الأحد 24 شعبان 1435 العدد
22-06-2014

لبيت تخفق الأرياح فيه

تذكّرت في هذا المقام بوح ميسون بنت بحدل زوجة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وهي أعرابية دلفت قصر الخليفة قادمة من فضاءاتها الصحراوية، وبحثتْ عند ذاك في قيمة المكان فقالت:

لَبَيْتٌ تخفِقُ الأرياحُ فيه

أحبُّ إليَّ من قصرٍ مُنيفِ

ولُبْسُ عباءةٍ وتقَرَّ عيْني

أحبُّ إليَّ من لِبْسِ الشُّفوفِ

خشونَةُ عِيشتي في البدْو أشهى

إلى نفسي من العيشِ الظَّريفِ

وربما لا نجد في شعر «ميسون» ارتباطاً بقيمة الحماية التي عادة ما تغنى بها اللاثمون للمكان، المستروحون فيه، فهذه القيمة لا أعلى منها في قصر الخليفة، لكنها تحدثتْ بدفقة من وفائها، فكفتنا مؤنة تخيل مكانها الذي تريده، حيث ربطته بصور أعطتنا شعوراً يفوق مشاعرها روعة، وحددت لنا المكان بحدوده في أعماقها، وأسقطت عليه مشاعرها وحفزتها للإعلان الذي ارتوى شجاعة وصدقا، إنها رمز للالتحام بين الذات ومكانها ذي السطوة الآسرة، فالمكان ملهم للنفس، والمكان ملاذ حين اليأس، والمكان مناخ للإبداع، والمكان انطلاقات محفزة، إنه رداء إنساني يمنح دفئاً يتجلّى حين يتقاسم فكر الإنسان ومشاعره.

ومن جميل القول أيضاً أن نذكر أنّ ثروة من تراث العرب الأدبي وقفٌ على المنازل والديار، لهم في ذكرها شئون، ولهم في أوصافها وبكائها واستنطاقها رصيد جم من القول الرصين والبيان المبين، فقد ارتبطت أماكنهم بمتعهم المعروفة والمتفق عليها، كما نجد ذلك في قول شاعرهم تجاه نجد ورياضها:

ألا حبذا نفحات نجدٍ

وريّا روضةٍ غِبَّ القِطارِ

تمتَّع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار

وختاماً ربما يكون المكان حشداً من الطاقات القادمة، فيعلن أنه بداية لأفق جميل يصله بعقل صار من رموزه، خاصة عندما تُسيطر مفردات ماضيه على وجوده الحقيقي في ذات المكان، مما يشكل سياجاً محكماً على امتداد الرؤى المحيطة بكل جمالياته، عندها يبرز التفاؤل في عمق المكان فيتردد صوت من هنا وهناك: «كم تركتُ هناك من بصمات المسير، وذرات الأنفاس، وإخلاص الصانع، وإتقان الصناعة»، فهل يكون المكان مختلفاً يحتضن الذات لتضيء أفقاً قصياً ينتظرها؟!

- المستشار التربوي بمكتب معالي نائب الوزير لتعليم البنات

مقالات أخرى للكاتب