Sunday 22/06/2014 Issue 15242 الأحد 24 شعبان 1435 العدد
22-06-2014

رأس المال من جديد!

حينما صدر كتاب رأس المال لكارل ماركس قبل قرن ونصف، اعتبرته الدول الشيوعية كتاباً مقدساً، بينما اعتبرته الدول الرأسمالية كتاباً محرَّما ومحظوراً، خاصة وأنه كشف تناقضات الأنظمة الرأسمالية وعيوبها، وأطلق نظريته الشهيرة فائض قيمة العمل، واختلف في بعض الموضوعات الاقتصادية مع كتاب ثروة الأمم لآدم سميث.

فإذا كانت الكتب التي أسست للاقتصاد العالمي، ووضعت قوانينه، وقرأت مستقبله، وتنبأت به، هي: ثروة الأمم لسميث، ورأس المال لماركس، فإنّ العصر الحديث حمل كتابين لافتين، هما (اقتصاد) لبول ساميولسن، وأخيراً ذلك الكتاب الجديد، الذي صدر العام الماضي بالفرنسية، والذي لفت الأنظار إليه بقوة، وهو للاقتصادي الفرنسي توماس بيكتي، وعنوانه (رأس المال في القرن الواحد والعشرين) وطارت شهرته أكثر بعد ترجمته إلى الإنجليزية، وبيعه مئات الآلاف من النسخ، وهو الذي جاء بأكثر من ستمائة صفحة، متضمنة الكثير من الأرقام والرسوم البيانية والتحليلات الاقتصادية، كي تصل إلى نتيجة نرددها دائماً، بل ونكاد نقرأها كثيراً في الصحف، وهي أنّ الأغنياء في العالم يزدادون غنى، بينما يزداد الفقراء فقراً، وتكاد تضمحل ما يسمّى بالطبقة الوسطى، أو الطبقة التي تحفظ التوازن لاستقرار أي مجتمع في أي زمان ومكان!

ما توصل إليه بيكتي بعد تحليل رقمي، تناول فترة زمنية تقارب مئتي سنة، من أنّ نسبة العائد على رأس المال في المتوسط، وخلال نحو مئتي سنة، أكبر من نسبة النمو الاقتصادي الكلي، يعني أن تراكم الثروات لدى هذه الطبقة التي تمثل واحداً بالمئة من المجتمع، يمنحها قدرة أكبر على التأثير على القرارات الحكومية السياسية، فيما يخص فرض الرسوم والضرائب على المواطنين، لتمويل الإنفاق الحكومي!

وهذا بالضرورة سيؤدي إلى أزمات اقتصادية حادة، قد تقود إلى اضطرابات سياسية، تقوض أسس الكيانات الديمقراطية، وبالتالي يقترح بيكتي تدخل الحكومات الرأسمالية في اقتطاع نسبة مما يورثه الأثرياء من ثروات، تبدأ كنسبة صغيرة، ثم تكبر، حسب الثروة المورثة، في محاولة من هذه الحكومات إلى إعادة توزيع هذه الثروات، بما يساعد في نمو الاقتصاد الكلي، بشكل أكبر، يؤدي إلى رفع مستوى المعيشة.

ومما يجعل كتاب (رأس المال) لبيكتي مهماً، خاصة في هذا الزمن، أنه جاء محملاً بالأرقام والإحصاءات، وصدر بعد بضع سنوات من الأزمة المالية العالمية عام 2008، فمثل هذا الكتاب الجاد، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، سواء بالنسبة للدول الرأسمالية، أو حتى للدول التي يمكنها قياس اقتصاداتها بمثل هذه الدول الكبرى، أعني نسبة العائد على رأس المال، قياساً بالعائد على الاقتصاد الكلي، ونمو هذه الاقتصادات، وفق أرقام إحصائية دقيقة وصادقة، لمحاولة معالجة اقتصاداتها قبل أن تتورط بأزمات مالية خانقة لا تستطيع الخروج منها!

ولعل مشكلة دولنا أنها لا تعير الأرقام والإحصاءات الأهمية التي تستحقها، ولا تعتمد عليها في اتخاذ قراراتها المستقبلية، بمعنى أنها تترك الأمور تسير تلقائياً، حتى تحدث النتائج السلبية، بمعنى أنها تتحرك وفق ما حدث فعلاً، وليس وفق ما قد يحدث في المستقبل!

مقالات أخرى للكاتب