Tuesday 08/07/2014 Issue 15258 الثلاثاء 10 رمضان 1435 العدد
08-07-2014

الوعد الصادق .. تستحقون أكثر

أثناء تدشينه ملعب الجوهرة بمدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة، في شهر رجب الماضي، خاطب خادم الحرمين الشريفين، الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، أبناءه المحتشدين بكلمة عفوية ارتجلها، نابعة من القلب كعادته دائماً، مؤكداً لهم أنهم يستحقون أكثر وأكثر.

والحقيقة، عزم قائد مسيرتنا المظفرة على تحقيق المستحيل لهذا الشعب الوفي النبيل، ليس بمستغرب، إذ يؤكد رعاه الله، في كل مناسبة، أن غايته في هذه الحياة هي خدمة دينه ووطنه وشعبه، الذي يحمل همَّه كل لحظة من لحظات حياته الطيبة المباركة، حتى وهو بين يدي مبضع الجراح، كما أكد صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء، رئيس الحرس الوطني، في كلمته التي تناقلتها وسائل الإعلام الصادرة يوم الاثنين 9-4-1432هـ، الموافق 14-3-2011م، في إشارة لمشاعر المواطنين الجياشة، وهي تستقبل قائدها إثر عودته بعد إجراء العملية الجراحية، يقول الأمير متعب: (لقد كان سيدي خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، أثناء إجراء العملية الجراحية بأمريكا، وكان في أصعب اللحظات، والدكتور بندر القناوي أكبر شاهد على هذا الموقف، فعندما انتهى من عمليته وكان في غرفة الإنعاش، وكان تحت تأثير البنج، وكان يتكلم بطريقة من الصعب أن تفهمها أو تسمعها، وكان يسأل عن حال المملكة وعن حال المواطن السعودي).

هذا المواطن السعودي الوفي النبيل، الذي لا يفارق تفكير المليك وعينه وقلبه أبداً، إذ يوصي الوزراء وكل من يلتقيه من المسؤولين: (لا تغلقوا أبوابكم أمام المواطن، والمسؤولية أمانة من عنقي لأعناقكم). ويؤكد لهم في كل اجتماع أو مقابلة: (احرصوا على تلبية مطالب المواطنين والدفاع عنهم). ثم يضيف: (أنتم ونحن في خدمة هذا الشعب، ولا يوجد فرق بين وزير أو أمير أو مواطن.. أوصيكم بالشعب السعودي، أنتم وأنا وكل مسؤول في الدولة، يعتبر نفسه أنه خادم لهذا الشعب). ويحذرهم: (ستأتينا أخباركم وسنعلم من منكم يغلق مكتبه ومن يفتحه للمواطن). معترفاً: (ما أنا إلا خادم للإسلام ولبلادي ولشعبها... بدون الشعب أنا لا شيء... وش أنا لولا الله ثم دعاء المواطنين). مؤكداً: (أرجوكم مقابلة شعبكم صغيرهم وكبيرهم كأنه أنا... أنزعوا أبواب مكاتبكم... ولن ندخر شيئاً للنهوض بشعبنا). بل يذهب أبعد من ذلك، فيخاطب حتى أبنائه والقريبين منه في أول يوم تولى فيه الحكم: (إذا لم أبدأ بكم، فلن أستطيع أن أبدأ بالآخرين، فكونوا مثلاً يقتدى حتى أستطيع أن أقوم على الآخرين). ويخاطب شعبه دائماً: (ما أنا إلا واحد منكم، وخادم لصغيركم وكبيركم).

ولهذا، لا أحد اليوم يستغرب مما حققه هذا القائد الفذ، البطل الهمام، المؤمن الصادق والملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، لدينه ولوطنه ولشعبه ولأمتيه العربية والإسلامية وللعالم أجمع، من جهد يذكر فيشكر، وإنجازات تشبه المعجزات، تحققت بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بجهد قائدنا ونيته الصادقة وعزمه وقوة إيمانه وثقته في ربه، وقد تعلمنا كلنا أن توفيق الله لعباده رهين بإرادة الإصلاح، إذ جاء في محكم التنزيل: {إن يُرِيدَا إصلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا}.

والحقيقة، لم أقصد اليوم جرد حساب لإنجازات الرجل الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، لأنني أدرك جيداً أن تلك مهمة شاقة، تتطلب جهداً ووقتاً وعزيمة وصبراً قد لا يتوافر لرجل مثلي، وأظنكم تتفقون معي أن الأمر يحتاج جهدا.

دولة العلم والعمل

مجموعة من الباحثين، إذ يستحيل اختزاله في مقال سريع كهذا. غير أن المناسبة تستدعي إلقاء نظرة سريعة على هذا الخير الوفير الذي هيأه لنا المولى سبحانه وتعالى، على يدي عبده الصالح عبدالله بن عبدالعزيز.

وصدقاً، لا أجد أبلغ من وصف صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الذي يؤكد في كل مناسبة: (سيدي خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، حوّل بلادنا إلى ورشة هائلة للعمل والإنجاز). ويؤكد سلمان: (دولتنا دولة علم وبناء في خدمة الدين والعروبة والإنسانية).

ومن أصدق من سلمان قولاً أو أبلغ وصفاً، إذ الكل يعترف أن بلادنا شهدت في هذا العهد الزاهر، تحقيق منجزات تنموية عظيمة، شملت جميع المحاور الأساسية في كافة قطاعات الدولة: الاجتماعية، الاقتصادية، الصحية، التعليمية، الإسكانية، الأمنية، الثقافية، العلمية، الصناعية، التجارية، العمرانية، العسكرية والسياسية. فانتصبت مدن اقتصادية عملاقة، تعانق عنان السماء، وأخرى جامعية وطبية، ومدن للمعرفة، وأخرى للإسكان، إضافة إلى مشروعات أخرى فريدة من نوعها، تمثلت في مشروع للمنح الجامعية وآخر للابتعاث الخارجي وثالث لتطوير التعليم العام، والقضاء والنقل العام ومحاربة الفساد و... قائمة طويلة عريضة من إنجازات حقيقية عديدة، تعجز محصيها.

فلدينا اليوم بحمد الله وتوفيقه، ثم بجهد قيادتنا الرشيدة، بنية تحتية تناهز ما يوجد في دول العالم الأول، إن لم تكن تفوقه، تمثلت في هذا الكم الهائل من المشروعات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها، التي اختصرت الزمن وتجاوزت الخطط والإستراتيجيات، لتقف بلادنا على رأس هرم الدول التي تجاوزت حدودها التنموية حسب إعلان الألفية، للأمم المتحدة عام 2000م . ففي مجال التعليم الذي يمثل رأس الرمح في أي تنمية وتطوير، حقق التعليم العام نقلة نوعية مهمة من خلال (برنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم العام) الذي صدرت موافقة المقام السامي عليه في 24-1-1428هـ، وأنفقت عليه الدولة 9 مليارات ريال، لتحقيق أربعة أهداف إستراتيجية: إعادة تأهيل المعلمين، تطوير المناهج، تحسين بيئة التعليم ودعم النشاط غير الصفي.

فدخل التعليم كل بيت، من أدنى البلاد إلى أقصاها، عبر ما يزيد عن عشرين ألف مدرسة حكومية، وأكثر من 3375 مدرسة أهلية في مختلف مراحل التعليم العام، يشد الرحال إليها مع بزوغ كل فجر جديد، أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة، يتلقون العلم على يدي أكثر من نصف مليون معلم ومعلمة، وفرت لهم الدولة كل ما يلزم من تجهيزات ومعدات. كما صدر أمر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه، الذي يعد بالإجماع قائد الإصلاح والتطوير الشامل في 20-7-1435هـ، بالموافقة على برنامج عمل تنفيذي لدعم أهداف مشروع تطوير التعليم العام وتحقيق أهدافه، الذي رصدت الدولة له، 80 مليار ريال، تصرف خلال الخمس سنوات القادمة.

أما ملف التعليم العالي، فقد حظي بعناية من خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، رائد التعليم الأول في بلادي منذ كان ولياً للعهد، عندما أطلق (مشروع الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العالي) في غرة مارس عام 2004م. فزاد الإنفاق عليه في هذا العهد الزاهر ليبلغ 250%، وحققت الجامعات نمواً بلغ 300%، إذ لدينا اليوم أكثر من خمسين جامعة وكلية جامعية، منها 35 جامعة حكومية، تخرج أكثر من ثلاثمائة ألف طالب وطالبة سنوياً لسوق العمل، بينها جامعات نوعية، كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) في ثول على ضفاف البحر الأحمر، على بعد 80 كليو متراً من عروس البحر. وتعد درة ثمينة، تزين تاج التعليم العالي في بلادي، إذ إنها جامعة متميزة، تختص بالبحث العلمي والتطوير التقني، من خلال أربعة مراكز للأبحاث العلمية، تستقطب العلماء والباحثين والخبراء المرموقين والطلاب الموهوبين والمبدعين من السعوديين وغيرهم، كما تعنى بتنمية العلم والمعرفة وتوفير بيئة علمية متميزة للبحث والتطوير، تستوعب طلاب الماجستير والدكتوراه في الهندسة الكيمائية والهندسة الميكانيكية وهندسة العلوم والهندسة البيئية والمدنية والرياضيات التطبيقية وعلوم الحاسب الآلي، إضافة إلى جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، التي تعد أول جامعة خاصة للبنات في المملكة، ومن أكبر جامعات العالم، إذ بها 15 كلية في جميع التخصصات، تستوعب 40 ألف طالبة. وهي بهذا تعد أحد المشروعات الرائدة في بلادي، التي اعتمدت المعايير العالمية والمواصفات والتقنيات المسؤولة بيئياً، وفق مفهوم الأبنية الخضراء المستدامة. وبالإضافة للكليات، تشتمل على مراكز أبحاث ومستشفى تعليمي ومدن سكنية ومرافق رياضية للأسر، كما يوجد بها أكبر قطار نقل آلي حديث صديق للبيئة، يغطي كافة مرافق المدينة الجامعية. وبجانب هاتين الجامعتين النوعيتين، هناك أيضاً الجامعة الإلكترونية التي تقدم التعليم للناس وهم في بيوتهم أو أماكن عملهم.

فضلاً عن ثماني عشرة مدينة جامعية متكاملة في مختلف مناطق المملكة ومحافظاتها، نفذت بأدق المعايير العالمية، حققت إضافة إلى دورها في دفع مسيرة التعليم، نقلة إستراتيجية مهمة في التنمية البشرية، إذ ساعدت في تعزيز الهجرة المعاكسة من المدن الكبرى إلى المدن الصغرى.

وبجانب هذا كله، حظي التعليم العالي ببرامج ضخمة، تعنى بتأهيل المواطن وتدريبه وفق أعلى مستويات التعليم العالي العالمية، كبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي ضاعف عدد المبتعثين من ثلاثة آلاف، إلى ما يزيد عن مائة وخمسين ألف مبتعث ومبتعثة، يتلقون العلم في أكثر من 37 دولة، في أفضل جامعات العالم، وفق تصنيف شانق هاي. منهم 83 ألف مبتعث في أمريكا وحدها، يدرسون في 700 جامعة منتشرة في سائر ولاياتها، فاحتلت بلادنا المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد المبتعثين، وما تزال مسيرة الخير القاصدة مستمرة، إذ أعلنت وزارة التعليم العالي أن التسجيل للمرحلة العاشرة من برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، للابتعاث الخارجي لهذا العام، يبدأ في 7-10 ويستمر حتى 20-10-1435هـ .

فاحتلت بلادنا، بجهد قائد مسيرتنا، المرتبة 28 بين أفضل نظام تعليم عالٍ في العالم، وجاءت في المرتبة 52 في التحول إلى مجتمع المعرفة بين 178 دولة، وفقاً لمؤشر التحول إلى مجتمع المعرفة، كما احتلت المرتبة 17 حسب مؤشر التنافسية في المجال ذاته، سعياً لتحقيق رؤية المليك المفدى لكي تصبح بلادنا العزيزة الغالية في عام 2020م، معياراً عالمياً للجودة والإتقان في جميع المجالات من خلال ما تقدمه من منتجات وخدمات.

همة تناطح السحاب

أما في الشأن الاقتصادي، فالكل يعترف أن بلادنا، بفضل الله وتوفيقه، ثم بفضل قيادتها الواعية المدركة، المخلصة لهذا الشعب الوفي النبيل، تتمتع باقتصاد قوي راسخ، لم يتأثر بالأزمة الاقتصادية التي اجتاحت أوروبا وأمريكا على وجه التحديد، ولم يفت عضده ما يعرف بـ(الربيع العربي) الذي كله شر مستطير، بل قل هو (خريف عربي) تساقطت فيه أوراق بصيص الأمل والأمن والاستقرار الذي كان سائداً في تلك الدول، على تواضعه، إذ تأهلت بلادنا بجدارة للانضمام إلى (مجموعة العشرين). لتساهم مع أهم الدول الصناعية في العالم، في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية الخطيرة التي اجتاحت العالم مؤخراً. وقد تأهلنا إلى هذا الدور بفضل إمكاناتنا الاقتصادية المقدرة، إذ نمتلك 20% من احتياطي النفط العالمي، إضافة إلى موقعنا الإستراتيجي المتميز. ومكانتنا المعتبرة بين العالمين الإسلامي والعربي، فضلاً عن دورنا الريادي في اقتصاد العالم، إذ تعد اليوم أكبر دول اقتصادية في العالم، أكبر شركاء تجاريين لبلادنا، من الولايات الأمريكية المتحدة، التي تمثل أهم قوى اقتصادية في العالم، إلى الصين فاليابان، ثم كوريا الجنوبية والهند وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا والبرازيل، ولا يختلف اليوم اثنان على دور بلادنا وتأثيرها في اقتصاد العالم.

وقد انعكس هذا خيراً وفيراً على الشأن الداخلي، فكما أسلفت في البداية، تحولت بلادنا إلى ورشة هائلة للعمل والإنجاز، ويكفي أن تعلم أيها القارئ العزيز، أن بلادنا خلال السنتين الأخيرتين فقط، طرحت 77 مشروعاً عملاقاً جملة واحدة، تراوحت بين مشروعات البنية التحتية وأخرى سكنية وصناعية، يتوقع الخبراء الاقتصاديون، أن تضخ هذه المشروعات في قلب الدورة الاقتصادية خلال العشر سنوات المقبلة، تريليونين ونصف تريليون ريال.

وترتب على هذا الجهد، نقلة نوعية في كافة مناحي الحياة، شهدت أكبر خطة وطنية للتوطين الإسكاني في تاريخ التنمية، استهدفت توطين ما يزيد عن مليون ونصف المليون وحدة سكنية، وتمويلها عن طريق الدعم الحكومي وتمويل القطاع الخاص. ويكفي هذا الجهد لإنشاء خمسين مدينة جديدة دفعة واحدة. ولأن الهم الأول لقائدنا أن يكون لكل مواطن في بلادنا مسكناً يأويه من برد الشتاء وحر الصيف، فقد دعم الإسكان التنموي بـ (12) مليارا من حسابه الخاص، فشيد نحو 8600 مسكن في مختلف مناطق المملكة ومحافظاتها. بجانب ما تبرع به رجال الأعمال والمخلصين من أبناء هذا الوطن العزيز، لاسيما دعم صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز. فالكل سائر على منهج الرجل الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، لتحقيق التنمية والاستقرار والرفاه لكل أفراد الشعب السعودي الوفي.

وحقق قطاع الصحة تقدماً كبيراً من خلال ما وفره من مستشفيات عامة وأخرى متخصصة ومراكز أبحاث متقدمة ومراكز رعاية أولية، منتشرة في سائر ربوع الوطن. وكانت تجربتنا الطويلة في ما نوفره من عناية صحية لحجاج بيت الله الكريم، حافزاً قوياً لمنظمة الصحة العالمية، دفعتها لاعتماد مبادرة المملكة بإقامة برنامج يعنى بالتجمعات البشرية وطب الحشود للاهتمام بالأمن الصحي العالمي، لتصبح بلادنا مرجعاً رائداً في مجال طب الحشود والتجمعات البشرية.

ويقال الأمر نفسه عن تعبيد الطرق وتشييد الجسور والسكك الحديدية والمطارات ومشروعات المياه والصرف الصحي، وغيرها من مشروعات البنية التحتية التي تخدم المواطن والمقيم على ثرى هذا الوطن الطاهر. فحلت بلادنا في قائمة أفضل عشر دول في العالم، حققت إصلاحات اقتصادية، وحلت في المركز الثامن بين أفضل 183 دولة من حيث البيئة الاستثمارية. كما أصبحت عاصمتنا، إضافة إلى مدينة جدة، الأسرع نمواً في العالم، بعد مدينة شانقهاي الصينية، حسب إحصائية نشرها مؤخراً معهد بروكينجز، شملت 200 مدينة في العالم.

أما الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، اللذان يمثلان جوهر رسالة قادة هذه البلاد وأهلها، فقد حظيا بجل اهتمام قائدنا ورعايته، إذ شهدا أكبر توسعة لهما في تاريخهما، شملت بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة في مكة المكرمة، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوسعة الميادين المحيطة بهما والطرق المؤدية إليهما، وتجهيز كافة المرافق والخدمات المساندة، فأصبح الحج والعمرة اليوم، وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، متعة، توفر بجانب العبادة الروحية، الراحة النفسية. إضافة إلى إنشاء مركز خادم الحرمين الشريفين لرصد الأهلة، وتأسيس أكبر وقف إسلامي للحرمين في التاريخ، ومصنعاً لمياه زمزم وسقيا، أنتج أكثر من 72 مليون عبوة مياه زمزم منذ إنشائه حتى الآن، فرفع الطاقة الإنتاجية 50%، كما زاد عدد مقدمي الخدمة لقاصدي بيت الله الحرام بنسبة 150%، إضافة إلى ساعة مكة، التي تعد أكبر ساعة برج في العالم، إذ يبلغ ارتفاع برجها 601 متر، وتزن 36 ألف طن، وتعد اليوم أشهر ساعة في العالم، لارتباطها بأقدس بقعة في الكون. فضلاً عن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإعمار مكة المكرمة، الذي يعد أول مشروع يحقق التكامل التنموي الشامل لتطوير مكة المكرمة، وفق خطة شاملة لكافة الأحياء، يشمل تطوير شبكات الطرق الدائرية، ويتضمن إنشاء شبكات طرق شعاعية، تتجه مباشرة للحرم المكي من مختلف الجهات، وتتكامل مع منظومة وسائل النقل الأخرى، مراعياً متطلبات أهالي العاصمة المقدسة وضيوفها من حجاج ومعتمرين وزائرين.

وقد حظيت جهود مليكنا المفدى لخدمة الحرمين الشريفين بإعجاب العالم كله وإشادته، لاسيما غير المسلمين، وأذكر في هذا على سبيل المثال، مقالاً بعنوان (المملكة.. ورعاية الحجاج) للسفير البريطاني السابق في الرياض، السير توم فيليبس، نشر بجريدة الرياض في 7-12-1432هـ. كما استنطقت تلك الجهود الصادقة الجبارة التي قصد بها مليكنا وجه الله سبحانه وتعالى، انطلاقاً من مسؤولية بلادنا التي خصها الله سبحانه وتعالى بهذا الشرف العظيم، استنطقت قريحة الشعراء، فسكبوا مشاعرهم لحناً شجياً معبراً عما تجيش به نفوس المسلمين من عرفان وامتنان لخادم الحرمين الشريفين، وأورد هنا بعض أبيات من قصيدة رائعة للشاعر علي ابن الشيخ عبدالله بن علي المحمود من الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، فرحاً بعودة قائدنا، حفظه الله ورعاه، سالماً معافى بعد رحلته العلاجية لأمريكا، وقد نشرت تلك القصيدة بجريدة الرياض أيضاً، عدد الأحد 10-2-1434هـ، ص 6، إذ يقول فيها الشاعر علي:

يا خادم الحرمين يحدو حبنا

ما قدّمته يداك للإسلام

هذا الحجيج يؤم أرضك قاصداً

بيت الإله الواسع الإكرام

فيرى صنيع يديك في أرجائه

وسعاً يخفف ضيق كل زحام

ويرى مآذنه شموخاً مسلماً

ويرى طوابقه علاً للهام

* * *

يا خادم الحرمين كم سهرت على

بر الحجيج الغر دون منام

عيناك توسع في المكان وتبتني

للعاكفين لركع وقيام

في كل موضع ساجدٍ نلقى هنا

أثراً لسعيك فوق كل كلام

وبكل زاوية دليل مآثر

وبكل ناحية صنيع همام

وقد أوجز خالد الفيصل، وزير التربية والتعليم، جهود قائد الإصلاح ورائد التطوير عبدالله بن عبدالعزيز، في الحرمين الشريفين، في كلمات بليغة وجامعة كعادة الفيصل دائماً، إذ قال في خطابه، وقد كان أميراً لمنطقة مكة المكرمة يومئذٍ، أمام المليك عند وضع حجر الأساس لتوسعة الحرم المكي الشريف مساء الجمعة، 20-9-1432هـ: (... وللمعتمرين والحجاج: بنيت صروحاً توسعة المسعى، ومصنعاً لمياه زمزم وسقيا، وللحرم المكي إضافات، مباني وساحات، وفي منى: أعجوبة جسر الجمرات، صار فيه الرمي متعة روح وعبادات، وللحرمين والمشاعر: قطارات.. جعلت المسافات دقائق بعد ساعات. وشيدت للحرم وقفاً، لا نرى له في البلاد وصفاً، إلا شموخك الذي أضفى عليه شرفاً، وطاولت جبال مكة.. ورفعت فوقها ساعة وأصبح لنا توقيت، في كل نشرة أخبار وصيت).

وبجانب تلك الرعاية والعناية والاهتمام بالأماكن المقدسة، التي ترى فيها قيادتنا واجباً مقدساً ومسؤولية عظيمة يتشرفون بحملها، ثمة جهود أخرى رافدة، تمثلت في العناية بكتاب الله طباعة وتوزيعاً وحفظاً وتجويداً، إذ نظموا مسابقات عالمية ومحلية لحفظ كتاب الله وسنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورصدوا لها الجوائز وقدموا الهبات، تشجيعاً للناشئة لحفظ الكتاب والسنَّة والعمل بهما، لتستمر مسيرة الخير القاصدة إلى الأبد بإذن الله وتوفيقه. ومع كل هذه الجهود الجبارة التي بذلها قائدنا حفظه الله ورعاه، إلا أنه لا يرى لنفسه دوراً في ما تحقق، معترفاً بالفضل للمنعم الوهاب، الله سبحانه وتعالى، إذ أكد في كلمته يوم وضع حجر الأساس لتوسعة الحرم في 20-9-1432هـ: (شكراً. هذا من فضل الرب عزّ وجل، وهذا ما لنا فيه كرم، الكرم للرب عزّ وجل، ثم للشعب السعودي الصادق الأبي والمسلمين قاطبة، هذا للمسلمين قاطبة).

ومن كرم الله سبحانه وتعالى، المنعم الوهاب، تناقلت وسائل الإعلام أثناء إعداد هذا المقال، أمر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه، بالاستفادة من توسعة المسجد الحرام للتخفيف على المسلمين لأداء مناسكهم في هذا الشهر الفضيل. وقد ظهرت التوسعة في عمارة فاخرة تتلألأ جمالاً وروعةً، تضفي على روحانية المكان شعوراً بالهيبة والجلال.

رائد الإصلاح والتطوير الشامل

أما على الصعيد السياسي، فقد اتخذ الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، خطوات إصلاحية جادة، حظيت بارتياح عالمي وإشادة دولية من جميع المهتمين بالشأن السياسي، ففي مجال القضاء مثلاً، الذي هو أساس الملك، أقر خادم الحرمين الشريفين في 20-9-1428هـ، نظاماً جديداً للقضاء في إطار مشروع متكامل، عرف بـ (مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء) خصصت له ميزانية بلغت سبعة مليارات ريال، ساهم بجهد مقدر في تخفيف الأعباء على المتقاضين وتسريع إجراءات التقاضي، من خلال تحسين آليات العمل وتوفير الكوادر المؤهلة اللازمة، إذ لدينا اليوم، حسب إحصائية العام الماضي، 1600 قاضٍ، يعملون في 272 محكمة منتشرة في مختلف مناطق المملكة ومحافظاتها، بالإضافة إلى 1400 محامٍ، وقد دخلت المرأة اليوم مجال المحاماة، و123 مكتب كتابة عدل؛ فحقق القضاء عندنا بهذه الجهود النيِّرة، نقلة كبيرة بشقيه العام والإداري، خدمة لطالبي العدالة من المواطنين والمقيمين على حد سواء. دفعت الاتحاد الدولي للمحامين، الذي يتخذ من باريس مقراً له، لمنح وزير العدل السعودي الدكتور محمد العيسى، ميداليته الفخرية، لمساهمته في تطوير منظومة العدالة في المملكة، تنفيذاً لمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء، وهي أول وثيقة للاتحاد تمنح في العالم العربي وتطبع باللغة العربية. كما ساهمت زيارات وزير العدل في تصحيح الصورة المغلوطة عن عدالة القضاء السعودي ونزاهته في أوروبا وأمريكا. أما المرأة التي تمثل نصف طاقة المجتمع السعودي، إذ يصل تعداد النساء اليوم إلى 12 مليون نسمة، فلم يكن لرائد الإصلاح والتطوير الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، أن يهمل دورها في تنمية بلادها، جنباً إلى جنب مع شقيقها الرجل، في ظل الثوابت الراسخة التي ترتكز عليها عقيدة هذه البلاد وأهلها، فأتاح لها حق المشاركة بحرية، ولم تخذله (نورة) فتسنمت مناصب عليا في الدولة، وسافرت إلى 37 دولة في العالم تطلب العلم، ودخلت قبة الشورى عضواً كامل العضوية والأهلية، وضمنت حقها في المشاركة في المجالس البلدية. بل إن شهرة المرأة السعودية وصلت إلى العالمية في مختلف المجالات، لاسيما الطب والعلوم والبيئة، إذ انضمت إلى فريق (ناسا) العلمي، وأصبحت سفيرة عالمية تشارك في تنمية المعرفة وتوعية المرأة في ثلاثة قارات، ومنحها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، جائزة أشجع امرأة في العالم،نافست حتى الرجال، فقهرت قمة أعلى الجبال. فصارة (نورة) في هذا العهد الزاهر، ضمن قائمة أكثر النساء تميزاً في العالم. وبجانب هذا، حقق لنا خادم الحرمين الشريفين إصلاحات شجاعة كثيرة في مجالات شتى، فانطلق لسانها شعراً جزلاً، عرفاناً وامتناناً لصنيع رائد الإصلاح، كما أكدت صاحبة السمو الملكي الأميرة مضاوي بنت منتصر بن سعود بن عبدالعزيز، في قصيدة بعنوان (جابها عبدالعزيز) نشرت بجريدة الرياض، الأحد 14-2-1433هـ، ص 34:

وأبو متعب علا وقته حكم بالشرع واكتابه

حبيب الشعب له نظرة على العدوان شابرها

إذا هو خادم للبيت يخسى شخص يغتابه

يكفي صرخة الإسلام صاحت في منابرها

بعهده تاقف المرأة بعز وقدر تحيابه

حقوق البنت حافظها وصاينها وجابرها

وقد شملت تلك الإصلاحات على سبيل المثال، تأسيس نظام هيئة البيعة، وتأسيس هيئة وطنية لمكافحة الفساد، مرتبطة به شخصياً، لتعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة في مجال المال والممتلكات العامة، وتفعيل دور القطاعات الرقابية. فأصبحت ملفات الفساد والبطالة والفقر والسكن، حاضرة في مناقشات المسؤولين، واجتث شوكة الإرهاب، وحفظ الأمن، وحافظ على متانة اللحمة الوطنية بحكمته المعهودة وسط عالم يموج بالشر يحيطنا من كل الجهات، وأنشأ مراكز للحوار. ولم يكن قائداً مثل عبدالله بن عبدالعزيز ينسى الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، فوفر لهم مراكز تأهيل شاملة، مزودة بكل المرافق والخدمات المساندة على أرقى المستويات، كما وفر لهم آلاف السيارات الخاصة، وحظوا برعاية متميزة في كل ما تقدمه الدولة من خدمات.

ولم تقتصر إصلاحات قائدنا على الشأن المحلي، بل امتد خيرها إلى العالم أجمع، إذ أطلق عام 2008م، مبادرة للحوار بين الأديان، للوصول إلى حلول للفرقة والجهل والغلو والظلم والتطرف، وتحقيق التعايش السلمي، وتشكيل جبهة موحدة لمواجهة الإرهاب وتعزيز التسامح. فأصبح اليوم المركز الدولي لحوار الأديان، حقيقة ماثلة للعيان، تشهد بالتزام قادة المملكة القوي لصالح الحوار.

كما دعم رسالة السلام العالمية، انطلاقاً من مبدأ الحوار والتعايش بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات. وتعد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، التي تضم طلاباً من أكثر من 60 جنسية، تمثل مختلف قارات العالم وحضاراته ودياناته، أبرز تأكيد على اهتمامه بهذا المجال، إذ يعنى الجميع فيها بهدف واحد: إيجاد حلول لمشاكل الإنسانية وضمان مستقبلها فيما يتعلق بمشاكل الماء والغذاء والطاقة. ولا شك أن زيارته لبابا الفاتيكان بنديكيت السادس عشر بمقر البابوية بروما في 25-10-1428هـ، الموافق 6-11-2007م، تعد أنصع دليل على صدق نيته، إذ حظيت بتقدير عالمي، تأكيداً لرغبته الصادقة في الحوار بين مختلف الثقافات والأديان، سعياً لتحقيق التوافق بين شعوب الأرض والتعايش السلمي، فضلاً عن دعوته حفظه الله ورعاه، للانتقال بمجلس التعاون الخليجي من مرحلة التعاون إلى الاتحاد الحقيقي، الذي يضمن استقرار شعوب المنطقة ويحقق أمنها ورخاءها على الدوام.

كما أسلفت في بداية المقال، ليس القصد هنا إحصاء إنجازات ملك الإصلاح والتطوير، الرجل الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، فتلك مهمة أجدها حقاً صعبة إن لم تكن مستحيلة، ولهذا عمدت لإلقاء نظرة سريعة على بعض أهم الإنجازات هنا وهناك، لأعبر عن شكري وتقديري وعظيم امتناني لأب حنون، قبل أن يكون قائداً استثنائياً، سبقت رؤيته طموحات شعبه، فحمل همهم وآمالهم وأمنياتهم وسكن قلوبهم حباً ووفاءً وإخلاصاً، ولم ينفك عن التفكير فيهم حتى وهو على فراش المرض وبين مبضع الجراح، كما ذكرت من شهادة الأمير متعب بن عبدالله في بداية المقال، بل كلنا نذكر جيداً بطاقته الكريمة للأستاذ تركي السديري، وأمنياته له بالشفاء إثر إجراء عملية جراحية بالمستشفى التخصصي.. صحيح أن المقصود الأستاذ تركي، لكن في هذا رمزية لاهتمامه حفظه الله ورعاه، بسائر أبناء شعبه.

قائد أدهش الدهشة

قلت، ليس المقصود إذن حصر إنجازات حبيب الشعب عبدالله بن عبدالعزيز، غير أنني أردت أن أشير إشارة عابرة إلى أن عهده الزاهر شهد إصدار ما يزيد عن أربعمائة قرار وأمر ملكي كريم، غيرت وجه الوطن، تصب كلها في مصلحة الشعب، لاسيما ذوي الدخل المحدود، فزاد رواتب جميع العاملين في الدولة من المواطنين عسكريين ومدنيين، إضافة للمتقاعدين وأعضاء مجلس الشورى، وعالج أوضاع موظفي الدولة العاملين على بند الأجور، والمستخدمين والعاملين بالرواتب المقطوعة... إلخ، وأقر هيئة لحقوق الإنسان، وخفض سعر الوقود بجميع أنواعه، وأقر نظاماً جديداً للضمان الاجتماعي وزيادة مخصصاته، واعتمد عدداً من الإجراءات لمعالجة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وأنشأ مؤسسة عالمية للأعمال الخيرية، وأمر بوضع برامج فورية لتوطين الوظائف، كما أقر مشروعاً وطنياً للرعاية الصحية المتكاملة والشاملة في جميع مناطق البلاد ومحافظاتها، وأنشأ وزارة خاصة للإسكان، فضلاً عن رعاية الأيتام وأسر الشهداء والموهوبين و... و... قائمة طويلة عريضة من القرارات الشجاعة التي حقاً غيرت وجه الوطن وأدخلت البهجة والفرحة في كل بيت.

وقطعاً، سوف يظل السعوديون والعالم أجمع، يذكرون إلى الأبد، تلك الأوامر الملكية الكريمة، التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين في جمعة الخير 13-4-1432هـ، الموافق 18-3-2011م، ودفق فيها خيراً كثيراً لشعبه، تجاوز ميزانية دول كثيرة لأعوام عديدة.

وعليه، أعود اليوم لأعترف بشجاعة، أنني كنت مخطئاً عندما كتبت مقالاً بمناسبة صدور ميزانية العام الماضي (نشر بجريدة الجزيرة، الجمعة 22-2-1434هـ، قلت فيه: (... ربما فاجأ إنجاز عبدالله بن عبدالعزيز اليوم آخرين، غير أنه لم يفاجئنا نحن، ربعه وعشيرته وشعبه الذي عهده دائماً صاحب بصمة مميزة طيلة سيرته فينا...).

أقول: كنت حقاً مخطئاً، إذ فاجأ عبدالله بن عبدالعزيز، ليس نحن فحسب، بل فاجأ المفاجأة ذاتها، وأدهش حتى الدهشة نفسها عندما أصدر أمره الكريم يوم الأحد 24-8-1435هـ، الموافق 22-6-2014م، بإنشاء أحد عشر استاداً رياضياً بأعلى المواصفات العالمية في مختلف مناطق المملكة، على غرار ما تم إنجازه في مدينة الملك عبدالله الرياضية بمحافظة جدة. وأقول لمن لا يعرف هذه المدينة: تتكون من استاد رئيسي يتسع لستين ألف متفرج، إضافة إلى ملعب خارجي مستقل لألعاب القوى يتسع لألف متفرج، وملاعب أخرى مختلفة وصالة مغلقة، وقاعة متعددة الاستعمال تتسع لعشرة آلاف متفرج، ومواقف خارجية لثمانية آلاف سيارة. وقد قدرت تكلفتها المالية بـ(1,857,720,000) ريال.

وليس ثمة شك أن مثل هذه المدن الرياضية الشاملة، تنقل البلاد كلها من مرحلة ملاعب (السعيد) و(الصايغ) و(الهطلاني) و(النملة) في حي الملز بالرياض، إلى مدن رياضية عملاقة بمواصفات عالمية، تساهم في دعم الحركة الشبابية والرياضية، كما تعد نقلة حضارية ضمن منظومة النهضة الشاملة التي تعيشها بلادنا. ويتضح أثر هذا القرار الحكيم، إذا أدركنا أن آخر إحصائية للتركيبة السكانية في المملكة، أشارت إلى أن 63% من إجمالي عدد السكان هم في مرحلة الشباب.

أجل، إن ما حققه لنا الله سبحانه وتعالى على يدي عبده الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، خلال هذه التسع سنوات الزاهرات من حكمه الرشيد، تعجز دول كثيرة حولنا عن تحقيقه خلال تسعة عقود. ومع هذا كله، يردد عبدالله بن عبدالعزيز، الملك الصالح في كل اجتماعاته مع الوزراء والمسؤولين: (لست مقتنعاً إلى الآن بما تحقق، في رأسي أكثر من الذي صار، وإن شاء الله إنه سيتحقق بجهودكم معي، وجهود الشعب السعودي معي، لأني أنا بدونكم لا شيء، بدون الشعب السعودي أنا لا شيء، فأنا فرد منكم وإليكم، أستعين بالله ثم بكم وبالرجال المخلصين من أبناء الشعب السعودي، ومن إخواننا العرب ومن إخواننا المسلمين).

وأحسب أنه لا ينكر ما يحمله عبدالله بن عبدالعزيز من هم بأحوال إخوته في العروبة والإسلام والإنسانية جمعاء إلا مكابر، إذ يشهد العالم كله لبلادنا وقفتها الصادقة مع إخوة الدم والعقيدة في كل محنة، دون أن نضطرهم لذل السؤال، من أفغانستان إلى الباكستان، فالسودان والصومال وسوريا وليبيا واليمن وأرض الكنانة وحتى إيران، وصلتها قوافلنا محملة بالإغاثة في الظروف الصعبة، بل حتى إخوتنا في العراق الشقيق، ما زال دعم عبدالله بن عبدالعزيز يصلهم فيخفف معاناتهم، وكلنا يذكر أمره الكريم يوم الثلاثاء 3-9-1435هـ، بتقديم نصف مليار دولار، مساعدة للشعب العراقي الشقيق المتضرر من الأحداث الأخيرة المؤلمة والمؤسفة حقاً، توزع عليهم جميعاً بمن فيهم النازحين، عبر مؤسسات الأمم المتحدة لضمان وصولها إلى مستحقيها، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية أو العرقية، حتى في ظل ما يكيله النظام العراقي الرسمي من اتهامات، وما يضمره من عداوات، وما يعشش في ذهنه من دجل وخرافات؛ فقلب عبدالله بن عبدالعزيز الكبير لا يعرف الحقد والحسد والانتقام، بل ليس فيه أدنى مساحة لشيء غير ما يحمله من خير للبشرية كلها، متمثلاً قول المقنع الكندي في داليته الشهيرة معاتباً قومه:

فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا

* * *

وإن زجروا طيراً بنحسٍ تمر بي

زجرت لهم طيراً تمرُّ بهم سعدا

* * *

ولا أحمل الحقد القديم عليهم

وليس كريم القومِ من يحمل الحقدا

ولأنه قائد فذ وبطل همام ومسلم صادق مؤمن بوعد الله للخيرين، فكل سلوكه وتصرفاته، وحتى سياسته، محكومة بضوابط إنسانية وإخلاقية، ولا يمكن لأي ساقط في الطريق أن يشغله عن هدفه أو يحوله عن مبادئه النبيلة التي ورثها عن والده المؤسس والتزم بها طيلة حياته فكما يقول خالد الفيصل: الشعوب تتخوف من قرارات قادتها، أما نحن هنا، فنتطلع شوقاً لقرارات قادتنا. وذلك فضل الله يأتيه من يشاء من عباده.

وقد حظيت هذه المبادرة الإنسانية الكريمة من صاحب القلب الكبير عبدالله بن عبدالعزيز، الذي يعمل إرضاءً لله واستشعاراً للمسؤولية، لا بحثاً عن الأضواء والألقاب، حظيت بإشارة العالم أجمع، اكتفى منها هنا باعتراف السيدة فاليري أموس، نائبة الأمن العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية التي أكدت في بيان أصدرته الأربعاء 4-9-1435هـ أن: (هذه المساعدة جاءت في وقت مناسب وحرج، وستمكن الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة من التعجيل بتعزيز جهود منع انتشار الأمراض في العراق ودعم الأسر النازحة وتزويدها بالمياه النظيفة والغذاء ومواد الإغاثة الحيوية).

وبعد:

أقول، ليس بدعاً إذن إن احتفل السعوديون بعودة مليكهم المفدى بملايين الورود وبطاقات التهاني وعتق الرقاب، وإنجاز أكبر سارية علم في العالم بارتفاع 170 متراً، تحمل أكبر علم في العالم مساحته 1635 متراً مربعاً ووزنه 570 كيلوجراماً، وذبح المئات من أعز أنواع الإبل، وتوزيع لحومها على الفقراء والمساكين، شكراً لله المنعم الوهاب، أن منَّ على حبيبهم ووالدهم عبدالله بن عبدالعزيز بالصحة والعافية.

وليس بدعاً أيضاً أن تمنحه أكثر من جامعة عريقة في العالم، الدكتوراه الفخرية، تقديراً لجهوده في مجال إنجاز السلام العالمي ومواقفه الإنسانية. كما منح أكثر من عشرين جائزة عالمية، توزعت بين جوائز منظمات دولية وأكاديميات عالمية وجامعات، إضافة إلى أوسمة تقدير عالمية رفيعة، من بلدان ذات ثقافات مختلفة، أبرزها جائزة اليونسكو، في اعتراف صريح من أكبر منظمة إنسانية في العالم بدوره في تعزيز ثقافة الحوار والسلام في العالم أجمع، بجانب وسام القادة للعمل الخيري، تقديراً ووفاءً لكل مواقفه النبيلة. كما منح قائدنا الفذ، جائزة (برشلونة ميتنج بوينت) لجهوده في إثراء الرؤية المستقبلية لعالم أكثر سلاماً وما يمتلكه من روح المبادرة الإيجابية. كما منح جائزة (ليخ فاونسا) البولندية لجهوده الإنسانية ومساهماته في الحوار بين الأديان والتسامح والسلام، وصنفه مركز الرأي العام العالمي في جامعة ماريلاند الأمريكية، ضمن أحد أهم رموز القادة السياسيين في العالم، وصنفه المركز الأردني للأبحاث والدراسات، ضمن أهم الشخصيات التي أثرت في العالم العربي.

وليس غريباً أيضاً أن تحتفظ الجهات المعنية بتصنيف الشخصيات في العالم، لوالدنا عبدالله بن عبدالعزيز، بمكانته ضمن الشخصيات الأكثر تأثيراً في العالم، والشخصية الأولى عربياً أعواماً متتالية، وتتضح لنا مكانة قائدنا في العالم، إذا أدركنا أن أهم معايير جهات التصنيف تلك، تتلخص في اتساع دائرة التأثير والنفوذ وإدارة الموارد.

وإذ أستعرض بعض لمحات من إنجازات عبدالله بن عبدالعزيز المدهشة، يقفز إلى الذهن وصف شكسبير للمؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه: (لقد وجد العرب الآن قائداً تعلو هامته هامة أي زعيم آخر، وبات المشايخ الآخرون من الحلفاء العرب، يحيلون إلى ابن سعود قضاياهم كافة، يطلبون فيها نصحه). فلله درك أبا متعب.

فهيا كلنا نرفع أكف الدعاء في هذا الشهر المبارك لله تبارك وتعالى، أن يمد في عمر والدنا الحبيب ومليكنا المفدى، ويمتعه بالصحة والعافية، ويديم علينا نعمة الأمن والإيمان والاستقرار والاطمئنان، ويزيدنا مما نرفل فيه من خير ونتقلب فيه من نعيم، مرددين مع الأمير الشاعر خالد بن سعود الكبير:

يا سيدي دامك بخير

حنا بخير وعافية

شوفتك طيب فال خير

للناس والله شافية

شعبك بعزونك كثير

أهل القلوب الوافية

حبك يا بو متعب أثير

عند الحضر والبادية

كبيرهم ويا الصغير

يدعون لك بالعافية

خليت عدوانك تحير

والمملكة بك زاهية

لبستها ثوب الحرير

وقلوب شعبك راضية

الله جعل سعيك برير

سهل عليك العاصية

أنت المليك اللي تنير

دارك بنية صافية

حكمتك بعد الله تدير

المملكة يا الداهية

يا الله عسى دربك يسير

وعسى حياتك باقية

مقالات أخرى للكاتب