Monday 14/07/2014 Issue 15264 الأثنين 16 رمضان 1435 العدد
14-07-2014

أوفيد: التنمية ومحاربة الفقر بمعزل عن السياسة

(أوفيد)، كمصطلح معلوماتي يعني «صندوق البلدان المصدرة للنفط للتنمية الدولية». سوف أحاول في هذا المقال تصحيح انطباع خاطئ، ربما هو انطباع الكثيرين أيضاً عن هذا الصندوق بالذات، لأنني كنت أصنفه مثل آلاف صناديق التنمية الملتبسة بالأهداف الإعلامية والسياسية ومصالح الحكومات بمعزل عن الشعوب.

جميع دول العالم تمتلك أنواعاً متعددة من صناديق التنمية بمسميات مختلفة، تقدم كلها تحت العناوين العريضة عن مساعدة الدول الفقيرة في تحسين بناها التحتية والاعتماد على نفسها في مجالات الغذاء والصحة والتعليم والطاقة، إلى آخر متطلبات الخروج من نفق التخلف والاعتماد الأبدي على مساعدات الآخرين.

تكون لدي، بما جمعته عبر عشرات السنين من انطباعات عن صناديق التنمية، أنها كلها نفعية تخدم في المقام الأول الدول المؤسسة لها على حساب الدول المتلقية لبرامج المساعدات، بما في ذلك صناديق التنمية التابعة للمؤسسات التبشيرية لنشر العقائد والمذاهب والأديان.

لهذا السبب بالذات كنت أتمنع عن إبداء الرأي أو التعليق حول صندوق التنمية الدولي التابع للدول المصدرة للنفط «أوفيد». ربما كان في ذهنية الممانعة أيضاً سبب ثانوي، هو أن رئيس أوفيد لعشر سنوات متتالية هو ابن عمي سليمان بن جاسر الحربش. المسارعة إلى الاتهام بالتحزب العائلي والعصبوي مع صرف النظر عن المبررات الموضوعية أصبحت للأسف جزءاً من تعليقات وتعقيبات القراء على كتابات الرأي، وهذا ما كنت أريد أن أتجنبه.

أخيراً، وعن قناعة حقيقية بأهداف صندوق أوفيد وحياديته وإنجازاته قفزت فوق حواجز التردد وقررت أن أعرف بالصندوق في هذا المقال لأنه في نظري يستحق ذلك، ولأن الشعوب الخليجية تستحق أن تشارك بالفخر بهذا الصندوق.

تأسس صندوق أوفيد عام 1976م بمشاركة اثنتي عشرة دولة من الدول المصدرة للنفط، بهدف تقديم المساعدات التنموية للدول الأكثر فقراً والأقل تنمية في العالم، بدون اعتبارات عقائدية أو سياسية أو جغرافية. وضع الصندوق على قائمة أولوياته محاربة الفقر، وفي الأعلى محاربة فقر الطاقة. التفاصيل الفنية لبرامج محاربة فقر الطاقة لا أعرفها، لكن وضعها كهدف أولي للتنمية يعني تمكين الفقراء في أطراف المدن وأكواخ الصفيح والكراتين وفي الأرياف النائية، من الحصول على الوسائل الضرورية والأهم للإنارة والطبخ ومياه الشرب النقية وغسل الملابس والأغطية والاستحمام وتعقيم الأدوات الطبية وضخ المياه من مكامنها لزراعة الأعلاف والمحاصيل وتنمية الثروة الحيوانية، أي الاستثمار في إمكانات التوسع في تنمية جميع البنى التحتية من خلال توفير الطاقة النظيفة الرخيصة من مصادرها الموجودة داخل نفس البلد المستهدف بالتنمية.

يقع ضمن الأهداف التي يحددها صندوق أوفيد المساعدة في التنميـة العلمية بتقديم منح دراسية للطلبة المتميزين من أبناء تلك الدول، والمشاركة في تمويل بناء وتجهيز المؤسسات الصحية وفي تمويل وتنفيذ مشروعات المياه والصرف الصحي وتعبيد الطرق للوصول إلى المناطق البعيدة عن التجمعات الحضرية، وتحسين وسائل التواصل الحديثة، والقائمة تطول.

المحصلة المشرفة والمقنعة لجهود صندوق أوفيد تقول بالأرقام ما يلي:

- حتى نهاية مايو 2014م قدم الصندوق ما قيمته سبعة عشر مليار دولار، إلى مائة وأربع وثلاثين دولة فقيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، كما وصلت المساعدات العينية والتنموية إلى المخيمات الفلسطينية في الشتات وكمثال على ذلك فهناك مخيم نهر البارد ومخيم شعفاط بالقرب من مدينة القدس المحتلة، وهو الذي كان هدفاً للجريمة التي ارتكبتها عناصر من إسرائيل في هذا المخيم، بحرقها الطفل محمد أبو خضير حيّاً ضمن عدوانها المبيت على قطاع غزة، وإلى الأسر المحتاجة داخل مناطق ما يسمى الحكم الذاتي في فلسطين.

- شارك الصندوق في تمويل مشروعات أساسية ومتعددة في عدة دول فقيرة بشروط غاية في التيسير، حيث تتم المشاركة بتقديم ثلاثين إلى أربعين في المائة من التكاليف كمنحة، وتجدول البقية كقروض طويلة الأجل ومتدنية الفائدة، تسدد على مدى ربع قرن بحيث تكون السنوات الست الأولى منها مستثناة من التسديد.

- إضافة إلى إنجازات الصندوق المحسوبة له ولوحده بالكامل، وهي الإنجازات الأهم في نظري بسبب مواصفاتها المحايدة، له مساهمات تشاركية مع صناديق التنمية العربية والإسلامية، مما يرفع المساهمة التنموية التي تحملها إلى عشرات المليارات من الدولارات.

وبما أن الحديث في أي موضوع عندما يطول يتحول إلى سبب للانصراف عن المتابعة، أتوقف هنا عن التفصيل حول صندوق أوفيد. أختتم فقط بالتأكيد على أن ما يميزه عن صناديق التنمية المرتبطة بسياسات الدول، هو أنه يعمل خارج السياسات والعقائد والمذاهب والجغرافيا ويحارب الفقر فقط. الصندوق يستهدف محاربة البؤس ودفع عجلة التنمية في الدول الأكثر فقراً. في هذه الحيثيات الجوهرية يختلف صندوق أوفيد عن صناديق الدول الكبرى والغنية، التي تبدأ عادة بالوعود الكبيرة، بينما هي تستهدف المشاركة في استثمار ثروات البلدان النامية والتدخل في سياساتها.

لمعرفة المزيد عن صندوق أوفيد للتنمية العالمية يمكن الدخول إلى موقعه الإلكتروني في الشبكة.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب