Monday 14/07/2014 Issue 15264 الأثنين 16 رمضان 1435 العدد
14-07-2014

رمضان في بلاد الحرمين

شهر رمضان المبارك هو الشهر التاسع في التقويم الهجري (الإسلامي)، شهر الخير والبركات، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفّدت الشياطين»، يحتفل فيه المسلمون في بلاد الحرمين، وفي مشارق الأرض ومغاربها بحلوله لأن الله عزَّ وجلَّ اختص لنفسه الصيام عن سائر أعمال بني آدم فيكون أجر الصائم عظيماً، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عزَّ وجلَّ: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جُنَّة، فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه».

وفي رواية لمسلم «كل عمل ابن آدم له يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي».

إن الصيام سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.

قال عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم: الصيام جُنَّة يستجن بها العبد من النار. رواه أحمد.

ويتميّز صيام شهر رمضان في هذا الوطن - بلاد الحرمين الشريفين- في مكة المكرمة والمدينة المنورة بجو روحاني فريد لا مثيل له، يندر وجوده في أي بقعة من بقاع العالم كله.

وصيام شهر رمضان جاء ذكره في محكم التنزيل، قال تعالى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185 سورة البقرة).

وقال رسول الهدى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت».

وفي حديث طلحة بن عبيد الله أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أخبرني عمَّا فرض الله علي من الصيام؟

قال: شهر رمضان.

قال: هل عليّ غيره؟

قال: لا. إلا أن تطوّعت.

فمع رؤية ثبوت هلال رمضان في كل عام تعم الفرحة بلاد الحرمين الشريفين، ويتبادل الناس عبارات التهنئة بحلول شهر رمضان المبارك. أسأل الله أن يعيننا وإياكم على صيامه وقيامه، رمضان مبارك جعله الله شهر خير وبركة.

وتتردد عبارة «اللّهم إني صائم» لكل من شاتمه أي لا يرفث ولا يصخب.

ويكثر في شهر رمضان التزاور بين الأسر والأقارب والأصدقاء وتناول الإفطار أو السحور «الأكل آخر الليل» أو معاً.

وتنشط الجمعيات الخيرية، وجمعيات البر في شهر رمضان لتوزيع الإفطار على الصائمين، وتفتح أبوابها لإقامة الموائد الرمضانية، وتوزيع إفطار رمضان للمحتاجين والمساكين والأيتام والأرامل في سلاَّت ورقية أو بلاستيكية بالإضافة إلى تلقي المساعدات والتبرعات والصدقات عبر مواقع المصارف الإلكترونية، واستقبال أموال الزكاة لتوزيعها على الفقراء والمساكين والمحتاجين والأيتام والفقراء.

وفي شهر رمضان في كل عام يحرص من في بلاد الحرمين على أداء مناسك العمرة التي تعادل أجر حجة، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه - لزوجها وابنها- وترك ناضحاً ننضح عليه، قال: فإن كان رمضان اعتمري فيه: فإن عمرة فيه تعدل حجة» أخرجه مسلم.

وهناك من يعتكف: الحرمين الشريفين أو في الجوامع أو المساجد التي تُقام فيها صلاة الجمعة في العشر الأواخر من شهر رمضان لإدراك ليلة القدر بالتفرّغ الكامل لعبادة الله سبحانه وتعالى والانقطاع عن كل ما يشغل الإنسان والقلب عن العبادة من أمور الدنيا لزيادة التقوى، والاعتكاف لزوم المسجد أو الجامع والإقامة به.

وليلة القدر هي ليلة من ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك التي يشرفها الله سبحانه وتعالى، فقد وصفها في كتابه العزيز بأنها مباركة لكثرة فضلها، فمن بركتها أنزل القرآن الكريم في هذه الليلة، كما أنه سبحانه وتعالى اختص هذه الليلة من جميع الليالي بأن العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر (ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر)، قال تعالى ... لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ... (سورة القدر الآيات 1-5). ومن بركتها أيضاً أن من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه كما ثبت في الصحيحين، قال صلى الله عليه وسلم «من قام ليلة القدر إيماناً غفر له ما تقدّم من ذنبه» رواه البخاري ومسلم.

كما أن هناك من يشد الرحال إلى المدينة المنورة للصلاة في المسجد النبوي لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى». وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» متفق عليه.

ويتنافس من في بلاد الحرمين في المبادرة طواعية في شهر رمضان المبارك في إخراج زكاة الفطر في نهاية شهر رمضان المبارك قبل صلاة العيد طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين: من أداها قبل صلاة العيد، فهي زكاة الفطر، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، وزكاة الفطر مقدار معلوم من الصاع الذي يساوي تقريباً ثلاثة كيلوجرامات من طعام الإنسان من تمر أو بر أو أرز توزع إلى الفقراء والمساكين.

وهناك من يكثر الصدقة في شهر رمضان المبارك سواء بالمال أو الطعام، فهي من أفضل القربات إلى الله تعالى، قال عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم: الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» رواه أحمد والترمذي.

وقال عليه الصلاة والسلام «اتقوا النار ولو يشقِّ تمرة» رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم (رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) رواه البخاري.

رمضان في بلاد الحرمين عطاء لا ينضب معينه: صيام وذكر وتلاوة وعبادة في نهاره وقيام في لياليه وتواصل وتراحم يعم الأسر والأقارب والأصدقاء.

مقالات أخرى للكاتب