Saturday 19/07/2014 Issue 15269 السبت 21 رمضان 1435 العدد
19-07-2014

أنواع القوة وفاعلياتها

ربما يسمع كثيرٌ منا مصطلحات تتصل بالقوة في الاستخدامات الإعلامية والسياسية والاقتصادية، من قبيل «القوة الناعمة» و»القوة الخشنة» (العسكرية) وأنواع أخرى من القوة تتناولها تلك الدراسات في سياق تحليل الاستخدام المختلف والمتعدد الأنواع للقوة بكل الإبداع البشري في إيجادها.

ويعود مصطلح «القوة الناعمة» إلى البروفسور جوزيف ناي، مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، حين أصدر كتاباً يحمل الاسم ذاته عام 2004م. وفيه عرفها بأنها: القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبية أو السحر أو الإقناع بدل الإرغام ودفع الأموال.. أما «القوة الذكية»، فهي التي تمزج بين القوتين الناعمة والخشنة.

ظهرت في أواخر القرن الميلادي الماضي اتجاهات فلسفية تقر، بأن القوة العسكرية بمفهومها التقليدي لم تعد مجدية، أو على الأقل لم تعد نافعة بمفردها.. وأكد هذه الاتجاهات أمثلة واقعية من قوى ناشئة ضعيفة عسكرياً، لكنها غيّرت وجه العالم بعوامل قوة خفية، وغير موجودة عند أصحاب العضلات القوية.. أولها اليابان، التي خرجت منهكة ومهزومة في الحرب العالمية الثانية، ومفروض عليها قيود كثيرة.. فاتجهت إلى بناء الداخل، واكتساب الثقة في الذات بهمة لا مثيل لها، ثم أصبحت عملاقاً اقتصادياً يتحكم في كثير من الصناعات، ويؤثر في السياسات العالمية، بل إن الصناعة العسكرية الأمريكية أصبحت عالة على الإنتاج الياباني من الشرائح الإلكترونية الفائقة الدقة، والتي لا يستطيع الأمريكيون إنتاجها بأنفسهم.

القوة الثانية هي ألمانيا، التي خرجت أيضاً من الحرب العالمية الثانية مهزومة ومقسمة، وخاضعة لشروط قاسية من الحلفاء المنتصرين عليها.. لكن جزأها الغربي الذي بقي حراً في قراراته الداخلية، حوّل تلك الأنقاض إلى عملاق اقتصادي آخر، غيّر وجه العالم، وغيّر الخارطة السياسية والاقتصادية للقارة الأوربية، وأعاد توحيد شطريه من خلال قوته الاقتصادية التي كان يحتاج إليها الاتحاد السوفياتي المنهار اقتصادياً.. بل إنه كان له دور كبير في إسقاط الكتلة الاشتراكية بكاملها في أواخر القرن الماضي، وكانت لألمانيا الموحدة الهيمنة حالياً على القارة الأوربية بأكملها، ليس من خلال القوة العسكرية كما أراد هتلر، بل من خلال القوة الناعمة كما أرادت ميركل ومهندسو هذه القوة.

والقوة الثالثة هي الصين، التي هي بلا شك بلد كبير جداً من حيث عدد السكان والمساحة الجغرافية، وهو بلد نووي أيضاً، وأحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.. لكن مصدر قوته لم تكن هذه، بل إن اقتصاده الذي حقق قفزات مدهشة في الأوقات التي كانت الاقتصادات الغربية تنتقل من أزمة اقتصادية إلى أخرى، هو ما جعله قادراً على التأثير عالمياً، ومكّنته من أن يكسب الأنصار لدى المؤثرين في السياسة العالمية من الداخل.. فأصبحت الصين تتحكم عن بُعد في المؤسسات المالية العالمية الكبيرة، بل إن كثيراً من القرارات الحاسمة في الاستثمارات العالمية يتم في بكين، وليس في أماكن أخرى من مراكز القرار للقوة الخشنة في العالم.

من المؤشرات الأخيرة لأهمية هذه القوة الناعمة، أن رئيس وزراء بريطانيا (أحد أساطين القوة الخشنة وصاحبة المستعمرات حول العالم) عارض مستشارة ألمانيا في ترشيح رئيس وزراء لكسمبورغ السابق ليرأس مفوضية الاتحاد الأوربي، لكن أحداً لم يلتفت إليه، رغم تهديده بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وانتخب مرشح ألمانيا بأثر من قوتها الناعمة.. ومنها أخيراً انتقال المستشارة الألمانية إلى البرازيل أثناء مباراة الفريق الألماني أمام البرتغال، لتدعم الفريق معنوياً، لأنهم يدركون سحر كرة القدم للتأثير في المزاج العالمي.. فأحد أسباب نهوض البرازيل اقتصادياً هي تلك القوة الناعمة التي يمارسها اللاعبون البرازيليون في عدد من دول العالم.

الرياض

مقالات أخرى للكاتب