Thursday 24/07/2014 Issue 15274 الخميس 26 رمضان 1435 العدد
24-07-2014

ولماذا هذا البلد؟

ساحة الصراع في (سوريا والعراق) جذبت فئات عديدة من جميع القارات وبصورة لم تكن مألوفة من قبل في تاريخ الحروب، وطبيعي أن يثير هذا التنوع في الأعراق والمذاهب والجنسيات قلق الدول، وبالذات الدول الأوروبية والأمريكية محدودة السكان، التي فوجئت بقدرة تلك التنظيمات في (سوريا والعراق) على تجنيد فئة من شبابهم، بل زاد الأمر خطورة في تلك التنظيمات قدرتهم على استقطاب النساء، وجرهن إلى ساحات المعارك، تحت ذرائع مختلفة، إذ تواردت أخبار متفرقة عن عدة حالات التحقن وعقدن القران على شباب تلك الفصائل، وبخاصة ما يعرف بتنظيم (الدواعش) المتطرف.

* في الحروب والصراعات لا يمكن أن يكون (الدين) وحده هو الملهب للعواطف، الملهم لإقدام الشباب على مثل تلك المغامرات غير المحسوبة، بل تتآزر عوامل عديدة لتكوّن في مجملها أسباباً لمثل تلك الظواهر.

* الكثير تحدث عن أن الملتحقين بساحات الصراع في الشرق الأوسط عامة، والعراق وسوريا بصفة خاصة هم في الأصل ذوي أصول عربية قدر لأسرهم ولأسباب مختلفة الهجرة من بلدانهم الأصلية، فأزمة الخليج الأولى، والحرب العراقية الأمريكية التي دامت أكثر من عشر سنوات أدت إلى نزوح مئات الآلاف من الأسر العراقية التي انتشرت في أكثر من قارة، وعانت في رحلتها وأزمتها العديد من المحن. والصراع الإسرائيلي والفلسطيني القديم والمتجدد ساهم في مد أوروبا وأمريكا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بأعداد كبيرة من النازحين، ناهيك عن حروب طائفية متفرقة عبثت بالمنطقة، إلى جانب الموجات الأخيرة التي تسبب فيها ما يعرف (بالربيع العربي) الذي لا تزال تصطلي بناره كثير من دول المنطقة بصورة لم تكن مألوفة في تاريخها الحديث المتمدن.

* وغير هذا وذاك ثمة فئة أخرى من الشباب، وهذا ليس بجديد يستفزهم الظلم، والاستبداد، والقمع، ومصادرة الحريات، والبحث عن المغامرات، وربما كان في تاريخ الثورات في أوروبا بالقرن (الثامن عشر) للميلاد من مثل تلك النماذج. وعلى أي ّحال يغيب العقل والمنطق أمام قوة الحدث وبعد أثره في أغوار النفس الإنسانية.

* أعود، مصدر قلق الغرب بصفة عامة خوفهم من عودة تلك الفئات متشربة الفكر الإرهابي، الأمر الذي قد يشكل خطورة على أمن واستقرار تلك الدول، وبخاصة وأن أوروبا بالذات من السهل أن تكون مسرحاً لتنقلاتهم بكل يسر، ناهيك عن احتمال التعاطف من شعوب أوروبا على المدى الطويل مع من يشعرون أنهم امتداد لهم.

* وبلادنا كغيرها من البلدان قدر لبعض الفئات تحت دوافع مختلفة الالتحاق ببعض تلك التنظيمات، منهم من آب وعاد إلى رشده، ومنهم من ظل واستمر في طريق الغواية والظلال.

* الملفت للنظر أن بعض الدول، وبالذات من تكن العداء الظاهر والمبطن لهذه البلاد لا يبدو أمامهم في الصورة، وبالذات في إعلامهم المغرض سوى أبناء هذه البلاد المغرر بهم، متناسين، أو متجاهلين تسليط الضوء على الجنسيات والأعراق والأجناس الأخرى التي هبت للانخراط في صفوف تلك الفصائل المتناحرة تحت رايات عديدة، مدعومة بقوى كبيرة. والأكثر غرابة في ذلك أن تلك الدول، وبالذات الغربية لم تتهم مناهجها، ولا مؤسساتها التعليمية، أو الخيرية، أو الاجتماعية، أو الدينية، أو أنظمتها الداخلية أنها أحد الأسباب التي شكلت فكر أولئك الشباب.

* في بلدنا الوضع يختلف، للأسف الكثير من المثقفين لدينا، وقادة الرأي والفكر والإعلام أسهموا في تحجيم تلك الظاهرة، واتهام مناهجنا ومؤسساتنا الدعوية والتعليمية والتربوية أنها وراء هذا الموضوع، وقد غاب عن ذهن الكثير منهم أنهم بهذا الطرح يضعون بلدهم ووطنهم في موضع اتهام غير صحيح.

* رغم ألمنا الشديد، وإنكارنا وتجريمنا لذلك السلوك الذي يرفضه الدين، إلا أننا يجب أن نرسخ في ذهن النشء الثقة في مؤسساتهم.

dr_alawees.m@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب