Monday 28/07/2014 Issue 15278 الأثنين 01 شوال 1435 العدد
28-07-2014

لا فطر... ولا أضحى؟

خليلي، لا فطرٌ يسرّ، ولا أضحى

فما حال من أمسى أسيراً كما أضحى؟

* في أحد الأعياد، حتى الشاعر الأندلسي (ابن زيدون) لم تجد السعادة طريقاً إلى نفسه، أو إلى عواطفه الوجدانية المرهفة، رغم أن العصر الذي عاشه والدولة التي تفيأ ظلها كانت مضرب المثل في تاريخنا الثقافي والحضاري، والفكري والأدبي، والسياسي والاجتماعي. والعصر (الأندلسي) في بعض مراحله هو أحد العصور الذهبية للحضارة الإسلامية المشرقة. إذن، السعادة نسبية لدى البشر، وكل ينظر إليها بمنظاره، والظروف المحيطة به، أو ما يبعث الأسى والقلق في نفسه، وإلا لما وجدنا مثل (ابن زيدون) وعصره يمثل عصر السيادة المطلقة للدولة الإسلامية التي حكمت في تلك الأقطار، أقول، لما وجدنا مثله يشكون في أعيادهم الدينية، أو مناسباتهم الوطنية والاجتماعية أوصاب الحياة وهمومها، لكن بحسب (ابن زيدون) ذلك الهم المتواضع المتمثل في إعراض، أو هجر (ولادة بنت المستكفي) له، ويبدو أن المقتفين لأثره كثر، في عصره، أو في غير ذلك من العصور، وربما كان هو أو غيره من ذوي هذه الهمم، أو الاهتمامات من أسباب النكبات أو عثرات التاريخ، وبلا شك وجد من يستثمر ذلك الوهن، ويمتلك صهوة المجد، ليبق (ابن زيدون) أو غيره عند هذا الحد.

* من منطلق آخر، نجد من يجد في العيد ما يجدد عواطفه المغتربة نحو وطنه الذي هاجر منه، وهو يعاني ويلات الحروب والانقسامات، ويرى بأم عينيه ما يفعله المستعمر ببلاده من قتل وتشريد، ومصادرة للحريات، من بين أولئك الشاعر (القروي) أحد المغتربين، وأحد بقايا شعراء القومية العربية، يطل عليه (عيد الفطر) في الغربة التي أرغم عليها مع جملة من الأحرار في بلاد الشام آنذاك، الذين لم يطيقوا حياة يملؤها الذل، وتسكنها لإحن، فيقول:

صياماً إلى أن يفطر السيف بالدمِ

وصمتاً إلى أن يصدح الحق يا فمي

أفطرٌ، وأبطال الحمى في مجاعة

وعيدٌ، وأبطال الشـآم بمأتمِ؟

فما مسّ هذا الصوم أكباد ظلمِ

ولا هزّ هذا الفطر أروح نوّمِ

* وفي خضم ذلك الواقع الأليم الذي هزّ كل غيور يتوق إلى واقع أفضل، إلى دين إلهي، دين سماوي، يجمع بين القوة والتسامح ينقذ البشر من هذا الطغيان الجامح، ويأخذ بأيدي الشعوب إلى بر الأمان، بعيداً عن التطاحن والصراع بين أتباع المذاهب المتناحرة التي فتت في كيان دولته، أو في كيان العروبة بمعنى أدق، التي كانت منتهى آماله وأحلامه:

ولكنني أصبو إلى دين أمةِ

محررة الأعناق من رق أعجمي

فقد مزقت هذي شملنا

وقد حطمتنا بين نابِ ومنسمِ

* أحياناً من شدة الألم، أو الانهزام الداخلي قد لا يقوى الإنسان على التعبير، ويعمد إلى الانسحاب من الواقع منزوياً منطوياً على نفسه، إذ يشعر هو كما هو الحال عند غيره بوصمة الذل والعار تلاحقه أينما اتجه وسار، وقد يكون هذا حالنا، ونحن نرى صور المآسي المفزعة من جراء تكالب الأعداء علينا من كل حدب وصوب، في شهر عظيم له حرمته وقدسيته في النفوس، ولا ملامة حيئذ على ذلك الصوت المبحوح الضعيف المستكين، الذي لم نستطع حتى معرفة مصدره بدقة، بل نكتفي بالتعاطف مع مشاعره الحرى، وهو يقول بنبرة مستكينة تفيض بالانكسار:

أفرّ من شاشة التلفاز في خجلِ

من المشاهد، من عجزي، ومن ألمي

عن كل دمعة طفل لست ماسحها

ومن دمِ طاهرِ لم أفده بدمِ

* إذن، لا جديد نستطيع أن نقوله، أو نقدمه بصورة تسركم في مثل هذه المناسبة السعيدة عندنا إلا كما أملى علينا (المتنبي)، ليقرر من قرون عدة أننا ظواهر صوتية تردد:

عيدّ بأيّة حالِ عدت ياعيدٌ

بما مضى، أم لأمر فيك تجديدٌ

* على أيّ حال، كل عام وأنتم بخير، وسيظل الأمل والتفاؤل هو ما نأمل أن ينبعث فينا ويسود.

dr_alawees.m@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب