Saturday 02/08/2014 Issue 15283 السبت 06 شوال 1435 العدد
سعد البواردي

سعد البواردي

إستراحة داخل صومعة الفكر

02-08-2014

حوار لا خنـاجر

- د. مروان عرنوس

- 127 صفحة من القطع المتوسط

بداية بعض شعرائنا وهم قلّة يجهلون أو يتجاهلون علامة الاستفهام اللازمة لجملهم (؟).. وعلامة التساؤل اللازمة (؟!) كما لا يضعون الحركات التي تميز بين مفردتين مختلفتين تغيران المعنى كما هو الفرق بن جملة (بَيْن) الساكنة الياء، وبين (بيِّن) المشددة والمكسورة الياء.. وهو ما يغير المعنى ويربك العبارة.

العودة إلى شاعرنا عرنوس حيث الحوار المسالم والخناجر المشاكسة في ملحمته الشعرية ذات المشاهد المتعددة: في مشهده الأول حوار شعري بين الراوي وآخر يرد عليه: البداية للراوي:

الظلم قد لفح الجميع بكيده، والله شاء

والناس قد غرقوا ببحر من جحود وافتراء

لكنه قد لاح نور شع يهدي من حراء

جبريل قد زف الرسالة فانظري نحو الضياء

يا صاح إن الظلم قد ولى إلى كهف الفناء

فاسمع بذا الأمر العظيم. وما الذي حمل القضاء

قرشي يرد عليه متسائلاً وهو يرى بين الجبال همساً تردده الرجال.. يبحث عن خبر.. وأنا معه أبحث عن صواب لتساؤله.. الهمس لا يُرى يا شاعرنا وإنما يُسمع لأنه صوت.. ثم أينها علامة الاستفهام في مقالك؟!..

آخر يرد عليه..

في مكة دين جديد وحّد الحق الرشيد

دين يساوي بين أشراف القبائل والعبيد

لتُوحدوا. ولتهجروا الأصنام والظلم العتيد

وحتى لا يتبين القارئ بين الدِّين بكسر الدال. والدَّين بفتحها ضع الحركة مشددة مفتوحة..

في مشهده الروحاني الثاني في المجلس، القرشي يقول أحدهم مستنكراً متسائلاً:

من سفه الأحلام من قد أغضب الأصناما

هي ملة الآباء. لسنا نهجر الأزلاما

واللات والعزى سننصر لا نريد ملاما

شطرك الأول يفتقد إلى العلامتين (؟!)

ثالث مشهد محاورنا أحد القرشيين:

تفكر أيها الإنسان واسأل

أما للكون رب قد بناه

أما رفع السماء بلا عماد

ومدَّ الأرض. قل لي هل تراه؟

نيابة عنك ومن الآن سأقوم نيابة عنك باستكمال علامات الاستفهام والتعجب وهي كثيرة كثيرة.. وسأكتفي بمشهد واحد وحوار واحد.. وما تقتضيه مساحة ساعة الاستراحة:

اتق الله إذا ما زلزلت

لا يفيد التوب. قد جاء النذير

لِمَ لم تؤمن برب خالق

ونسيت الله. واليوم العسير؟

ورابع مشهد مشرك يخاطب مسلماً دون أن يعرف أنه مسلم.. يسأله لم الوجوم على وجهه كأنما أصابته مصيبة. وكأنما الفلك تسري في مداها الغائب.. ناسيا أن الأفلاك تجري لا تسري.. المسلم يعطيه الجواب الصواب.

النفس لما أن دعت

في خلقه تمعَّنت..

بالله حقا آمنت

وأسلمت واستغفرت

المشرك وبعد أن سكن قلبه الإسلام:

عظني فقد هز الفؤاد

بديع من رفع السماء

ووعظه بما يكفي في مشهده السادس

حوار خناجر بين أمية وبلال:

اسحبوا المولى بلال

فوق رمضاء الرمال

واجلدوه بالبلايا

يشتكي بأس الحبال

بلال وقد فتح الله عليه.. ومنحه الصبر والجلد على ما يكابده من مشقة وعذاب كان صوته الأقوى ثباتاً وجلداً..

أحد. أحد. ربي الصمد

آمنت لن أخشى الزرد

هو خالقي. هو رازقي

إلاك لن أخشى أحد

المشهد السابع.. أبو جهل في مجلس قريش يسلِّم:

عمتم صباحاً دمتموا

أسياد بيداء العرب

مَن للرجولة؟ من سواكم

للبطولات انتسب؟!

أحد المشركين يرفع عقيرة عقيدته الوثنية:

سلمت يداك أبا الحَكَم

ما زلت رأسا للشمم

هُبلا علا. واللات سو

ف تظل ينبوع الهمم

أبو جهل بجهالته وكرهه على كل من اعتنق شريعة الإسلام يندد. ويهدد. ويتوعد بإذاقة المسلمين شر البلوى وسوء العذاب..

في مشهده الثامن.. المسلمون يلاقون أشد أنواع العذاب.. يواجهونه بصلابة موقف.. وشهامة رجال.. وقوة عزيمة.

نحن الرواسي لا نهاب. ولن نلين مع العذاب

نحن الأعاصير العتية لا نخاف من الذئاب

وأقوال أخرى لا يتسع المجال لسردها.

المشهد التاسع نقلة كبرى للمسلمين في طريقهم إلى الهجرة.. ولسان حالهم يقول:

فارقت كعبة ربي

جسما. وخلفت قلبي

فيها وفي كف حبي

مَن كان نوراً لدربي

وآخرون إلى الحبشة:

جدُّوا بالسير إلى الحبشة

سراً خوفاً ممن بطشا

والقلب ودمعي قد جهشا

والشوق عظامي قد مرشا

المشهد العاشر.. قريش مجتمعة.. هالهم وصعقهم نبأ المسلمين وهم يهاجرون..

إن تركناهم سيقوى نابهم

وسيفشوا أمرهم في العرب

شهية المطاردة والقتل تفور في دواخلهم.. كما يقول أحدهم:

فلتوا كما فلتَ الشعاع

من كن صنديد شجاع

أين المفر؟ ولا مفر!

عيوننا تغشى البقاع

سيكون لحمهموا طعاما

للسيوف وللسباع.

هكذا أرادوا.. ولكنهم خابوا.. تفجّر نور الإسلام فأذاب خوف الظلام.. يثرب تحتضن رسول الإنسانية وصحبه الكرام.. وتفتح مكة.. ويتسع رواق الإسلام وهديه ليشمل الكثيرين.. وليندحر أولئك الذين في قلوبهم مرض وحاولوا وقف عجلة الحياة إلى النور.. والطهر تلك هي خلاصة المشاهد الثلاثة والعشرين أعطاها لنا شاعرنا مروان عرنوس بين شد وجذب.. وبين حوار وخناجر انتهت إلى فتح. وصلح. وسلام. وإسلام..

من مشاهده.. ننتقل معه إلى عبرات بدر: حيث الملاحم.. والوقفات الكبرى:

العير تضرب في البطاح تحن للبلد الأمين

وقريش تنظر للرواحل تحمل الربح الثمين

ويقودها حذرا أبو سفيان يخشى المسلمين

ويقطّع الخوف القلوب فأحمد بث العيون

بث العيون صحيحة.. والأكثر صحة بث الكمين:

وبطيبة جمع الجنود محمد..

متسائلاً مع أصحابه:

ماذا ترون؟

هذا يريد العير. بل ذاك النفير. ولن يكون

المقداد بن الأسود ورفاق محمد أمام مشهد معركة يُعد لها تستهدف محمداً ورسالته.. أجمعوا على كلمة سواء:

مُرنا إلى برك الغماد فلن نولي مدبرين

لو خضت هذا البحر لن نأبى ونمضي عابرين

هكذا قالوا لنبيهم ورسولهم بفدائية لا تقبل التراجع.. والتقى الجمعان: أتت قريش بخيلها ورجالها يخالجهم عنصر كاذب..

ألفٌ بعدتهم. يُضِل الجمعَ شيطانٌ لعين

بالخيل. والخيلاء جاؤوا كافرين مقاتلين

وفي الجانب الآخر:

بالعدوة الدنيا أسود محمد يتضرعون

إلى الله جل شأنه أمام كثرة جهال قريش.. وعدتهم وعتادهم. وأخيراً:

النقع ثار لتشهد البطحاء بأس المتقين

ومن نور الفتح المبين وقد انتصر الإسلام على خصومه نفرغ معا إلى شاعرنا عرنوس.. إلى نور قلبه:

رسول الله فيك يهيم قلبي

بحبك قد جرت تشدو دمائي

وقد هاج العيون شديد شوقي

فأمست غارقات في البكاء

أكثر من هذا يتمنى شاعرنا أن يكون لفؤاده تربا على مقربة من مثواه كي ينعم بالهناء والفخر.. ويسأل أخيراً:

يحن إليك قلبي. نور قلبي

متى اللقيا؟ ففي هذا دوائي

يا شاعرنا تحقيقاً لأمنية تتمناها أنت.. ويتشوق إليها بشر من الناس.. أن نكون على نهجه القويم.. وصراط هديه المستقيم.

أن نتخذ من رسالته السماوية التي أوحى بها إليه ربه نهجاً ونبراساً لحياتنا.. ألا نضل.. ولا نزل..

ومن مشهد النور.. إلى آهات تتفرع لا تبعد في محتواها وفحواها عن سابقتها:

يا رب إنك خالقي

يا كاشف البلوى. الصمد

يا من على العرش استوى

متكبراً. فرداً. أحد

مُدت لك الأيدي فلا

تحرم من الإعطا أحد

«الإعطا» مفردة غير معبرة.. وجافة.. أحسب أن كلمة «من الفضل أحد» أنسب.. وفي ابتهال منه:

فارحم محبا. تائبا

لك. في حب سجد

فامنن. فإنك تقبل التـ

ـوبَ. التجأت فكن سند..

ومن قنوته لخالقه فجأة ينقلنا جميعاً معه دون استئذان إلى بغاث استنسر:

يحسب المغرور بابه

حرما أعلى قبابه

ويظن الحال نسرا

وهو بالحق له بابه

فإذا الحسناء ماست

خالها تهوى رضابه

وإذا دوّت أسود

هازما. نادى كلابه

وإذا سلت سيوف

سل للهيجاء نابه

حتى موج البحر يتحداه بقهره، وحتى النسيم فمن شعابه تنسم. والمطر من السماء من بركة دعائه.. والبدر يتضاءل أمام شهاب ذلك البغاث المستنسر المقضوب عليه. كثيرة كثيرة تلك النعوت الحارقة. والخارقة للأوصاف الساخرة لم تمر على ذهني من قبل.. لم يعلنها بصراحة من يعني.. لأن في شيوعها أكثر من مشكلة رغم قوله:

غير أني دون لأي

أنزع اليوم نقابه

لا تقولوا هل صحيح

ما نرى؟ يا للغرابة!

من تعامى فليحدّق

رافعاً عنه العصابة

حتى الحطيئة لم يقل مثل هذا: ومن غضبته المضرية إلى مناهل حكمته:

إن صحبتَ المرء فاصحبه إذا ما كان عدلا

وإذا ما ضل فانصحه وكن في الحق حلا

في الحق لا تكون حلا.. وإنما بالحق..

لا تصدقه بل اصدقه

وقل بالصدق فعلا

حتى مفردة فعلا هنا لا تؤدي الغرض.. أرى أن كلمة «فضلا» من التفضل أوفق.

كن عزيزاً لا تدع في الجيد للحادين حبلا

لا تدن للخلق. بل للحق إن الحق أعلى

وكن الرفق تجده إن ثوب اللين أحلى

نصائح وعظية جميلة المعنى والمغزى..

والعيد في القدس.. كيف رآه.. أو تخيله؟

يا عيد كيف أتيت والأيام باكية حزينة؟!

فتعال ننفق ليلنا بالله.. نسعى في المدينة..

نتفقد الأيتام فيها والأنام المستكينة

لنرى الأرامل والشيوخ وكل باكية طعينة

فاختر، فكل بيوتها تبكي، وتلتمس المعونة

واكتم نشيجك، واحبس الآهات واتركها دفينة

من يقوى على هذا..؟ العيد بالنسبة للقدس صرخة فداء.. لا عملية توسل واستجداء. لا أحد ممن يفرحون ويمرحون بالعيد يعرف شيئاً عن القدس.. وإن كان يعلم فإن لا يهتم.. ثم.. كل فلسطين قدس.. وكل غزة قدس.. وكل دم شهيد قدس. وكل مدينة أو قرية عربية أو إسلامية قدس.. الفرحة فيها. وبها ولها حين ننفض غبار الوهن والمذلة من جفونها الناعسة البائسة. واليائسة إلا من رحمة الله.

قل لي بربك هل يطيب العيد للعبد الطليق؟

أم للعزيز هناك في الأصفاد يلقى ما يطيق؟

أعد نظراً يا عبد قيس لربما أضاءت لك النار الحمار المقيدا.. أقول هذا بمناسبة بيتك الأخير وقد أثبت النفي في دواخله.. العزيز في الأصفاد يلقى ما لا يطيق.. وليس ما يطيق.. حسنا لو جاء على النحو التالي.. في الأصفاد فيما لا يطيق.. ومرة ثانية.. العيد.. دام أسير فلسطين.

أبني.. العيد أتى فانس آلامك.. بالصحب تأس

وبحكم الله فطب نفسا.. ولتسرد يقينك ترسا

لترد أساك فلا تأس

إن ضاق العيش فكن ليثا لا يخشى أو يرهب بأسا

فكرام الأنفس عزتهم.. لا تخفض للأعدا رأسا

وجنان الخلد مفاتحها دفقات دم تزكي العرسا

وبها يتمنى نازلها مئة. بذلت نفسا نفسا

بهذا الحس.. وبهذا الشحن من مشاعر الأمومة وجهت الأم الفلسطينية دعوتها إلى طفلها الذي يكابد أغلال الأسر أن يقوى على جراحه.. أن يتجلد أمام جلاديه.. والشامتين به.

وتجلدي للشامتين اريهموا

أني لريب الدهر لا أتزعزع

هكذا قال الشاعر لمن هم في حالتهم.. وفي زنازين أعدائهم.

أخيراً.. مع آخر قصائده.. «نحن الأباة»!

إن ليمناي شموساً قدّموا

أو ليسراي بدوراً أحضروا

إن دموعي من عذاب أمطروا

أو شراييني بحقد فجّروا

لست أنسى ذكر ربي ساعة

بل له قلبي. ودمعي يشكر

الدمع مرده القلب.. بقي العقل.. وددت لو أبدل الدمع بكلمة عقل لكان أجدى..

كلما قد حطم الحزن الصدور

يلجأ القلب لجبار غفور

سائلاً تحطيم أجناد الغزاة

راجياً نصر صغارٍ لا تخور

صِغار.. أو صَغار غير مناسبة للموقف.. الأحرى «نصر أباة»

مَن غدوا للقدس حراسا شدادا

وعلى الغازي طواحينا تدور

الطواحين تدور في غير صالحنا.. وزحام المبادرة لم يعد بأيدينا.. الكبار بقوتهم يتحكمون في مصائر الضعفاء.

تلك هي سُنة الحياة منذ عرفنا أبجديات التاريخ.. ما لم نتملك القدرة والقوة فلن نقدر على الوقوف على اعتراضنا في عالم يحكمه حق القوة. لا قوة الحق.

شكراً لشاعرنا مروان عرنوس وقد أخذنا في رحلة إيمانية نحن في أمس الحاجة إليها كي نتذكر.. ونتدبر أمورنا دون غفلة.

الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321 - فاكس: 2053338

مقالات أخرى للكاتب