25-08-2014

من عجائب القدر

في إحدى بلدات الجنوب الأمريكي وتحديدا دينيسون في ولاية تكساس، كان ديفيد المواطن الأمريكي يعيش مع أسرته حياة مستقرة وادعة، حيث الريف الأمريكي وسبل العيش البعيدة عن التكلف والصخب، تميزها قيم وأخلاقيات تعود إلى تمسك الكثير من الأسر الأمريكية بالقيم المسيحية، وذلك قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومن بعدها الثانية التي أثرت على تلك القيم وأعادت ترتيبها فيما بعد.

عدا أن الريف وحياة المزارعين كما قلت هي بحد ذاتها بيئة لها قيمها مثل الكد وتقديس العمل والاستبسال دفاعا عن الحمى وغيرها من القيم.

في يوم من تلك الأيام كان أحد أبناء ديفيد يعدو في ذلك الريف حول بيت أسرته، فحدث أن داست قدمه على قطعة حديد حادة أحدثت جرحا غائرا ونزفا لقدمه، فعملت العائلة ما استطاعت لتضميد الجرح ووقف النزف وأسعفت الفتى حسب إمكاناتها في تلك الفترة. وبعد أيام أخذ الجرح يلتهب تدريجيا والقدم تحتقن فلم يعد باستطاعته الوقوف عليها والمشي، وأخذ والداه وأسرته القلق على ابنهم وأعيتهم الحيلة ومحاولات علاج قدمه، إلى أن جاءوا بطبيب لإنهاء معاناة ابنهم، وقرر الطبيب أنه لاستدراك ابنهم من الخطر فانه يتوجب بتر القدم. هنا أخذ الهلع مأخذه من الفتى وأسرته ودبت الحيرة والقلق في هذا البيت الصغير، فما كان من أخي الفتى إلا أن وقف بباب الغرفة التي تؤوي أخاه المصاب حاملا سلاحه ومهددا الطبيب أو أي من كان بقتاله إذا حاول دخول الغرفة والتعرض لأخيه، في رفض عنيف لفكرة بتر قدم شقيقه، ولم تفلح محاولات الطبيب والأسرة لإقناع ابنهم بالسماح لهم للدخول وعلاج ابنهم المصاب، ورابط هذا الشاب بباب الغرفة ولم يبرحه ممسكا ببندقيته طوال الوقت.

هنا وعندما تيقنت الأسرة من عدم جدوى محاولاتها مع وجلهم من فكرة البتر على كل حال وإشفاقهم على ولدهم، كان أن تنادوا جميعا إلى اللجوء للصلاة والتضرع، حسب ما لديهم من المسيحية، لتفريج هذا الكرب وشفاء ابنهم، وبالفعل أخذوا بالتضرع والصلاة في انكسار وخضوع وتذلل، وبعد برهة من الزمن، لاحظوا أن قدم الفتى بدأ التورم فيها يخف تدريجيا إلى أن بدأت في العودة إلى حجمها الطبيعي، ثم إنه بعد أيام بدأ في الوقوف عليها وشيئا فشيئا في المشي بروية، في ذهول ودهشة وحبور هذا البيت الصغير من إجابة تضرعهم إلى العلي القدير.

وعادت تلك الأسرة إلى حياتها من جديد بعد انكشاف ذلك الكرب وعبورها امتحانا عسيرا. فشب الولد مع اخوته ودخل غمار الحياة وانخرط في السلك العسكري وفي الجيش الأمريكي حتى تدرج في الرتب العسكرية إلى أن وصل إلى قيادة قوات التحالف في الحرب العالمية الثانية ومن ثم الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية، انه دوايت ديفيد ايزنهاور، تلك الشخصية القيادية وأحد ابرز قادة العالم في القرن العشرين وما تلاه، نظير حنكته العسكرية والسياسية، بعد أن أعاد تنظيم القوات المسلحة والجيش واطلق سباق الفضاء ووسع شبكة الضمان الاجتماعي، وأطلق بناء شبكة الطرق السريعة عبر أمريكا، ومن اشهر أقواله (إن كل بندقية تصنع وكل سفينة حربية تدشن وكل صاروخ يطلق هو في الحسابات الأخيرة عملية سرقة للقمة العيش من أفواه الجياع ومن أجساد الذين يرتجفون من شدة البرد ويحتاجون إلى الكساء).

هنا وقفة شرعية لمسألة التضرع، يقول المفسرون والعلماء إن الآية الكريمة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) بأن لفظة (المضطر) تشمل جميع بني البشر مسلما كان أو غير مسلم، وأن الله جل وعلا يجيبه لذلك الظرف وتلك المحنة الدنيوية. عدا أن المشركين في الغالب وعند الشدائد والكروب يلجأون للدعاء بلفظ (القدير)، (almighty) وليس كما في أحوالهم العادية والدعاء بغير اسم الله تعالى. وبعد، ترى هل عدمت أمريكا في السنوات الأخيرة أمثال هذا القائد العسكري والسياسي الفذ، بل هل هو تراجع رهيب في عدد القادة (بمعنى القيادة العلمي) عبر العالم ؟ والإجابة لديكم، وطبتم سالمين.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب