28-08-2014

وماذا عن الإرث الشيعي المتزمت: هل يعترف المثقفون الشيعة بوجوده ؟

لو صح لي أن أضع دوائر حول مصادر العنف في الثقافة العربية المعاصرة لاخترت ظاهرتي: التطرف السلفي والتطرف الشيعي، ووضعت الخطوط الحمراء على الإرث الإثني عشري والسلفي المتطرف، واللذان لديهما إرث طويل يمتد إلى القرون الأولى، وفي أعماقه تكمن جذور العنف والإرهاب المعاصرة، وقد كان ذلك الإرث مصدراً لا ينقطع عن إيقاظ الكراهية بين أبناء البلد الواحد.

وعلى الرغم من اتفاق السنة والشعية على اتخاذ القران الكريم منهجاً، إلا انهما يختلفان في مصادر الحديث، ويختلفان في التفسير التاريخي للأحداث، لكنهما يتفقان في استخدام الكراهية كقاعدة لإذكاء مشاعر العداء ضد الآخر، وفي صحة إكراه الآخر لإتباع الملة الصحيحة حسب اعتقاد كل منهما، وقد كانت لذلك فصول دامية في التاريخ، وشهدت حلقات إجبار العامة على التحول من مذهب لآخر..

في العراق، تظهر صورة ذلك الصراع الدامي في أبشع صوره، كذلك كان لهذا الصراع المرير حلقات دموية في الهند وباكستان وإيران وفي الجزيره العربية والشام و سيصعب في هذه العجاله أن يتم حصرها، لكنها لا تخفى علي احد، فالواقع مشحون بمشاعر الكراهية، والبرياء يتساقطون منذ قرون، بينما يختبئ اصحاب العمائم والشمغ في كهوفهم، ولكن: هل لهذا الليل من آخر؟ .

خلال التاريخ الحديث كانت نبرة الصراع تزداد كلما كان صوت رجل الدين أعلى من صوت السياسي، وفي مراحل الخمسينيات إلى منتصف السبعينات، كانت السياسة والدبلوماسية تحكم العالم السياسي، وكانت درجات الكراهية في أدني مستوياتها، وكان الوفاق يسيطر على اجواء العالم الإسلامي، لدرجة ان الملك فيصل رحمه الله والزعيم الباكستاني الشيعي ذو الفقار بوتو كانا يقودان رسالة التضامن الإسلامي، وكان العامل المشترك في تلك الدعوة غياب الزعماء الدينيين عن المشهد العام.

في عام 1979 كان التاريخ الحديث على موعد من شرارة جديدة للصراع السني الشيعي، وكان الحدثان الأبرز في الفصل الجديد: الثورة الاثنا عشرية في إيران، وحركة جهيمان السلفية المتطرفة في السعودية، وكان لهما تاثير كبير علي المناخ العام، ومن نتائجه ما يحدث الآن من دموية بشعة في بلاد الشرق العربي، فقد عاد رجال الدين إلي الواجهه، واصبح لهم وزن اكبر في الساحه الإعلامية والسياسية.

خلال هذه الفترة، قام المثقفون المنتمون للتيار السني بنقد التطرف السلفي، وخرجت الكتب والمقالات التي تنتقد حركات السلفي المتطرفة، وتكشف أسرارها، ولا زال الموقف الثقافي السني، لأن صح التعبير يفضح مختلف اوجه التطرف الديني في المنطقه، لكن الغائب الاكبر في هذا المشهد هو المثقف المنتمي للتيار الشيعي، والذي يكاد يختفي تماماً في حراك النقد للتطرف الشيعي ما عدا قلة، وقد وجدت صعوبة في فهم ذلك الموقف القاصر، وهل يخافون من التصفية إن تعرضوا للتطرف الشيعي بالنقد؟

قبل ايام، قامت عصائب أهل الحق الشيعية المتطرفة بارتكاب مجزرة في يوم الجمعة في أحد مساجد ديالى العراقية في عمل إرهابي، لا يقل بشاعة عما ترتكبه داعش، وكان مسلحون تابعون لهذه الجماعة قد أطلقوا النار داخل أحد المساجد؛ ما أدى إلى مقتل 68 مصلياً من السنة، ولم يخرج أي من المثقفين الشيعة للتنديد بهذا العمل الإجرامي الشنيع.

سؤالي الأهم، هل يجرؤ أحدهم علي نقد منهج ولاية الفقيه للإمام الخميني و المواقف الشيعية المتطرفه ضد السنه في ايران والعراق، وهل يجرؤ احدهم علي نقد تدخل حسن نصر الله في الثورة السورية ضد الدكتاتور السوري، وهل لدي اياً منهم الشجاعه لفضح مصادر الكراهية في الارث الشيعي!

عندما اكتب ذلك لا يعني على الإطلاق ان لدي موقف طائفي ضد هؤلاء، ولكن لاني أؤمن أن الحل لن يخرج إلا من عباءة المثقفين من الطرفين، وإذا لم يتحدا في اتخاذ مواقف موحدة تدين الكراهية التي تصدر من رجال الدين المتطرفين من الجانبين، لن نصل الي النور في نهاية النفق، وسنظل نبحث عن مهدي غائب في الظلام الدامس، او ننتظر ظهور المهدي القرشي المنتظر، لينصر للمظلوم ضد الظالم، وإلى ذلك الحين يستمر الصراع وسفك الدماء..،

كتبت المقال بعدما قرأت تعليقاً للمثقف الشيعي المعروف توفيق السيف على مقالي السابق (لماذا نكابر؟)، عن داعش وعلاقتها بالإرث السلفي المتزمت، وكان فحواه، «كيف تعالج المرض وأنت لا تقر بوجوده وتأبى تشخيص اسبابه»، وهو ما يجعلني أطرح نفس التساؤل عن داء التطرف الشيعي المعاصر، وكيف نعالجه وغالبية المثقفين الشيعة لا تقر بوجوده في الإرث الشيعي المعاصر!

ختاماً، لن يتم إصلاح التطرف السلفي/ الشيعي، و الذي يؤدي إلى قتل الأبرياء ما لم يخرج مثقفون حقيقيون من الطرفين يدينون التطرف والكراهية، وينتقدون أفكارهم وأساليبهم، ويجعلونها جرماً يقع تحت طائلة القانون.

مقالات أخرى للكاتب