04-09-2014

لماذا تتسم سلوكيات بعض أفراد الهيئة بالعنف والتسلط؟

عادت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الواجهة الإعلامية بعد فترة طويلة من الهدنة، إن صح التعبير، مع المجتمع، وكانت الضحية في الأمس القريب بريطانياً مسلماً وزوجته السعودية، ومن خلال ما تناقلته وسائل الإعلام لم أجد سبباً يُبرر ذلك العنف، ولا أعلم إلى الآن لماذا يتم إطلاق بعضهم على المجتمع، ومَنْ المستفيد من انتشار تلك السلوكيات العنيفة بين الناس؟..

ولماذا يتم تقزيم النهي عن المنكر في مظاهر شخصية؟، لا يُوجد فيها ما يُسيء للناس!، ولماذا تظهر شخصيات الهيئة في أنماط ماضوية قديمة، ولماذا ما زالت تمارس سلوكيات لم تعد صالحة لهذا العصر؟، ومن أجل فهم هذه الظاهرة علينا أن نفكر بصوت مرتفع عن خلفية تلك الممارسات العنيفة، ولماذا حدث انفصام بين سلوك تلاميذ المدرسة الدعوية وبين إرشادات أساتذتها المعاصرين.

من خلال تلك المقدمة حاولت أن أجد تفسيراً لما يحدث، ولماذا ظل التلاميذ يمارسون فكر الوصاية والتسلط وفرض الاجتهادات الدينية بالقوة على المجتمع، بالرغم من أن الأستاذة والمرشدين لهذه الدعوة تخلوا عن بعض أساليبها، وأصبحوا يطالبون بنشر فكر التسامح ونبذ التطرف، وقد وصل الأمر إلى أن بعضهم يُطالب بما هو أكثر من ذلك.

لعل من أحد تلك العوامل أن تلك الممارسات ما زالت تستمد تعاليمها من بعض الكتب القديمة التي ما زالت ُتُدرّس كمناهج أساسية في معاهد الدعوة والتعليم الديني، بينما توقفت النخبة الدينية عن إرسال أبنائها إلى تلك المدارس، وفضّلوا الانخراط في المدارس الدولية، وتعلُّم الثقافات المتعددة، وترك ذلك الإرث لأبناء العامة، وذلك من أجل المحافظة على سلامة عقائدهم، وهو ما نقل مسؤولية المحافظة على الدعوة من النخبة إلى العامة.

قد يفسر تلك الفجوة اختلاف السلوكيات بين المرشدين وأساتذة الدعوة الكبار، وبين التلاميذ الذين ما زالوا يعيشون عقلياً في القرن الثامن والتاسع عشر، ويسعون بكل جهد أن يعيدوا المجتمع إلى أن يعيش تحت قبضة محكمة من الأوامر والنواهي، وأن يتم تعنيفهم إذ هم خالفوها، وأن تستخدم الوسائل التقليدية، بدءاً من العصا إلى الصراخ والاتهامات بالفسق والردة لإحكام تلك القبضة، وقد يفسر ذلك غيرها من الأحداث الدامية التي نعاني منها في الداخل والخارج.

ولعل هناك عاملاً آخر قد لا يقل أهمية عما ذكرت أعلاه، وهو العامل الاقتصادي، والذي قد يفسر بعض السلوكيات والهيئات المتشددة، والتي أصبحت شبه متلازمة في مختلف الأسواق، ونستغرب غيابها في السوق، فقد أصبح تواجدهم في تلك الهيئة المتشددة، إحدى ذكريات الماضي التي لا تود بعض فئات المجتمع الرجوع إليه بعد دخولها إلى العصرنة والطفرة المادية، وهو ما ولّد حالة من الصراع الاجتماعي بين التقليد والعصرنة.

لذلك أرى أن دراسة خلفيات هؤلاء التلاميذ الاقتصادية والاجتماعية مفيدة، فقد تكون خلفياتهم الماضوية تعليمياً ومادياً من أسباب ذلك العنف المستطير، وقد يكون عدم استفادتهم من الطفرة المادية، ومن فرص التعليم الحديث، وبقاءهم ذهنياً في عوالم قديمة، سبب ذلك الصراع العنيف، بينما تجاوزت بعض النخب الدينية تلك الأزمنة، بعد أن نال أبناؤهم وأحفادهم التعليم الحديث في أفضل المدارس الدولية.

وقد لا أحتاج إلى تقديم أدلة، فكثير من السلوكيات المتشددة عند بعض العائلات تذوب إذا تم توفير تعليم حديث وعصري لأبنائها، وقد تختفي نظرتهم السوداوية للمجتمع، إن تحسنت مداخيلهم المادية، وقد كان من عثرات التنمية المعاصرة أن فرَّقت بين فئات المجتمع، فالتعليم الحديث والعصري لا يحصل عليه إلا من كان يملك القدرة المادية، بينما يذهب البقية إلى المدارس التقليدية والدعوية، وأدى ذلك الاختلاف إلى بروز فئوية متنافرة، تتضاد في سلوكياتها وتختلف في تحصيلها التعليمي ومدخولاتها المادية.

في الختام، قد تفسر تلك الفروقات ظواهر الغضب والعنف في المجتمع، ومن أجل حل تلك الإشكالية والحد من حدة التنافر والتناقض، يجب إقرار توحيد المناهج على أسلوب موحد، كما هو الحال في مختلف دول العالم الحديث، أو إشراك الجميع في التعليم العصري والمنفتح على الثقافات الأخرى، هذا بالإضافة إلى دراسة دخل الفرد بين هذه الفئات، والعمل على تحسينه من أجل رفع درجة الاحتقان بين تلك الفئات، والله المستعان.

مقالات أخرى للكاتب