12-09-2014

الفصام والنقوش الصخرية

كنت في رحلة برية في منطقتي الجوف. كنت أتمعّن بشغف فنوناً قد رُسمت على الصخور بين الجبال والرمال، هي حكايات لأُناس قد سكنوا هذه الأرض فرسموا وكتبوا بأدواتهم البسيطة شيئاً من حياتهم وأفكارهم وأشعارهم، وما رأوه بأعينهم جسدوه بالرسم على الصخور أو بالنقش عليها. فمنهم من كانوا من العصور الحجرية إلى الآشورية والثمودية والنبطية وصولاً إلى العربية غير المنقطة والعبرية.. كل تلك الحضارات جسّدت على صخرة واحدة، تعاقبوا عليها بمرور الدهر.

عدت إلى المنزل بعد هذه الرحلة وفي ذهني الكثير من الأسئلة وفضول يحرّكني للبحث عن إجابات لدلالات تلك الرموز وطقوس تلك الحضارات وترجمة كتاباتهم. ومن الأسئلة التي اجتاحت أفكاري سألت ذاتي الأخرى: أين الفنانون في عصرنا الحاضر من هذه الإبداعات الموغلة بالتاريخ؟ فأخذت أبحث بين فناني وطني، مَن منهم مَن وضع هذه النقوش الفنية نصب عينيه؟ فلم أجد إلا الفنان القدير إبراهيم الفصام الذي توغل بمفهوم تلك النقوش، وما سواه كان يهيم على أطراف التراث وسطحية المكان.

فعزمت إلا أن أجالس الفصام حتى أستقي من فكره الذي سبقني لفهم هذه الفنون العريقة، فكان لي مرادي حين تحدثت معه. كان للحديث معايير عدة، لكن ما شد انتباهي أنه حين يتحدث عن تلك الفنون من حيث لا يعلم يجرد ذاته ويجادلني وهو يحيا بقرية الفاو تارة، وتارة أخرى يتقمص روح الأنباط، ويحاكيني عن إبداعاتهم؛ ليتخطاهم إلى الثموديين.. وكأن حاله يقول «أنا ابن جميع تلك الحضارات». وبعد حديث مطول مع الفصام تخطيت الكلام، وذهبت أتأمل أعماله، فلم يكن للذهول مكان بين ثنايا أفكاري حين وجدت كل ما ذكره الفصام بلسانه جسده بلوحاته. لله درك أبا طارق.

الشاهد هنا: لو جرّدنا ذواتنا من أي انتماء، وتمعّنا بتلك النقوش من زوايا عدّة، لوجدنا من كتب آية من القرآن الكريم على إحدى الصخور بالجوف أو بالمدينة أو في مكة المكرمة قبل 1200 سنة، وكان مؤمناً بمصداقية كتاباته، لماذا لا نصدق من رسم أو كتب قبل أسلافنا على صخور أخرى بما كانوا يرون أو يؤمنون به؟ ويبقى السؤال يدور بدائرة المدار: إذا كانت تلك النقوش هرطقات فلماذا نُقشت على الصخور.

jalal1973@hotmail.com

twitter@jalalAltaleb - فنان تشكيلي

مقالات أخرى للكاتب