14-09-2014

دلالة بذاءة اللفظ

من بدهي القول والمنطق، ألا تكون العلاقة الاجتماعية سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات على نسق واحد في مختلف مراحل العلاقة وأحوالها، وعلى نمط واحد من التفاعل والتفاهم في فهم المواقف، أو في معرفة تفسيرها، فبدهي أن يكون للفرد نسقه الخاص به وفق قدراته العقلية ومستوى فهمه واستيعابه وتحليله للموقف وتفسير دلالاته، والحال نفسها تنطبق على الجماعة والمجتمعات وفق ما يحقق المصالح المشتركة، وما يتوافق عليه في المواقف والآراء والغايات العامة.

ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو ذو بصيرة حاذقة، ورؤية صائبة بشؤون الناس وما يتوافق مع طبائع نفوسهم قال: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)، ويقصد بما يعرفون أي يفهمون، أي يسهل عليهم معرفته وإدراكه، وتفسير دلالاته وفهمها، وزيد في آخر المقولة (ودعوا ما ينكرون) أي يشتبه عليهم معرفته وإدراكه، ويصعب عليهم تفسير دلالاته وفهمها.

تقرر المقولة وتقر بأن قدرات الناس العقلية متفاوتة، وبالتالي قدرتهم على الاستيعاب والفهم مختلفة متفاوتة، وواقع الحال يشهد بهذا ويصدقه، وبالتالي وحتى لا يقع المحذور في تحميل الناس وزر أفهامهم القاصرة خاصة فيما له صلة بهدي الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يجب أن يؤخذ في الحسبان هذا المتغير الرئيس (الفهم) في بني البشر عامة، فجل أوجه الافتراق والفرقة، والاختلاف والخلاف، ينشأ ويترتب على أفهام خاطئة، تمثلت في قراءة دلالة تغريدة أو مقولة خطأ، أو تفسير معنى تلك التغريدة والمقولة خطأ، والحال نفسها تنطبق على المواقف والآراء من الأحداث والأزمات التي تعصف بحياة الأفراد والجماعات والمجتمعات.

ومع التقدير الكامل لتفاوت الأفهام، المعتمد في الأصل على القدرة العقلية، والحالة النفسية، إلا أن المسلم لا يعذر البتة في أن يكون ذا سمت وسمة في أقواله وردود أفعاله، سمت وسمة مستمد من هدي القرآن الكريم ومن سنة النبي الكريم، قال تعالى:

{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (34) سورة فصلت،

{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (44) سورة طه،

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران.

وروى أحمد والترمذي، (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء) و(لا الفاحش البذيء)، (إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة عليك بالرفق وإياك والفحش والعنف).

ومصادر الثقافة العربية ومراجعها، مليئة بالحكم والأشعار والأمثال، التي تحث وتدفع إلى محامد القول وطيب الكلام، نظراً لما لها من أثر على ترويض النفس، وترقيق القلب على القبول، وعدم تصعيد المواقف والمعاندة فيما لا طائل من ورائه.

ولهذا فمما يتعذر فهمه وتسويغه، لجوء البعض إلى استخدام كلمات فجة، وعبارات مستفزة، في الرد أو التعليق على موقف أو رأي أو تغريدة قيلت اجتهاداً أو عن قناعة، لكنها تخالف الآخرين، الغريب أن المضمون لا يناقش، بل ينسى تماماً، وعوضاً عنه توجه الأنظار للشخص نفسه، حيث يسار إلى الشخصنة والسعي إلى التعرية بأبشع الصور، مع استخدام ما تجود به الألسن من كلمات وعبارات بذيئة قوامها التحقير والتسفيه والتطاول والسباب واللعان والطعن والشتم، كلمات فحش وتفحش وعنف، تعكس حالة نفسية مرضية مضطربة، تجد في هذه البذاءات متنفساً من حالة الاحتقان التي تشعر بها.

إن العنف اللفظي الذي أضحى سمة متواترة في الردود بين المختلفين، لن يفضي إلا إلى تباعد وتباغض وفرقة، وإلى انقسام وزعزعة الأمن الاجتماعي، هذا عدا كونه يخالف سمة الإنسان المسلم وسمته وخلقه.

الكلم الطيب بوابة تأليف القلوب وتآلفها، ثق أنك لن تندم إن التزمت به وسرت على نهجه.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب