14-09-2014

لا تفسدوا الهند.. وقد نجحت بتنوعها العرقي والديني واللغوي

حينما أعلن زعيم التنظيم أيمن الظواهري في تسجيل مصور بُثَّ على شبكة الإنترنت أن القاعدة ستنشر الحكم الإسلامي و»ترفع علم الجهاد» في أنحاء شبه القارة الهندية، لم يُدرك أن هذه المغامرات كسالفها الذي أثبت أنها صدٌ عن سبيل الله وإقحام لسواد المسلمين في أتون حروب خاسرة في بلاد لن ينفع المسلمين فيها

هذا الفكر المتوحش ولا إستراتيجياته التي أثقلت كاهل الإسلام والمسلمين، وكل النتائج تثبت أن الاستمرار في هذا الطريق حماقة لا تُغتفر وجريمة لا مسوغ لها.

والعارف بطبيعة الهند يدرك ضرورة استغلال تنوعها الثقافي والعرقي في الدعوة إلى الله جل وعلا دونما عنف وإرهاب مع الحفاظ على مصلحة المسلمين في ذلك النسيج المتماسك، بلاد الهند التي سخر ونستون تشرشل من طلبها للاستقلال في أواخر الأربعينيات قائلاً: ليس هناك ما يسمى بالشعب الهندي، وقال أيضاً القول بأن الهند هي دولة أشبه بالقول بأن خط الاستواء هو الآخر دولة، ولم يكن يدرك ذلك الزعيم الإنجليزي أن الهنود ذوو عزيمة وإرادة وحضارة.. وحينما قال شارل ديغول إنه من الصعب وصف أو توحيد بلد يحتوي على 265 نوعاً من الأجبان.. لم يسمع قطعاً عن وصف مارك توين للهند بقوله: «إن أي شيء يمكن أن يخلقه الله أو يصنعه الإنسان قد خلق ووضع في هذه الأرض».. ويؤكد كل ذلك وصف المؤرخ تومسن «إن التأثيرات المتلاقية في العالم تجري في هذا المجتمع، الهندوس، المسلمون، المسيحيون، العلمانيون، الستالينون، الأحرار، الماويون الاشتراكيون الديمقراطيون والغانديون. ليست هناك فكرة ظهرت في الغرب أو الشرق لم تجد لها دوراً في العقل الهندي...» ولذلك كثير من المفكرين يستدلون بالأنموذج الهندي على تحقيق التعايش والتنمية وتكوين الأوطان باختلاف عرقياتها ولغاتها وطبقاتها، وقد صدق ذلك تقرير الأمم المتحدة لعام 2004 م الذي فضح زيف فكرة أن الخلافات الثقافية تؤدي الى صراع الحضارات، وأكد على أن تنوع وحماية حقوق الأقلية نقطة حاسمة في التطور إلى الأمام والأهم من ذلك ذكر التقرير الهند كنموذج لما يمكن أن تحققه بلدان فقيرة ذات ثقافات مختلفة من خلال سياسات تعتمد على تلك الثقافات، وأصبح ذلك التنوع مصدراً من مصادر التنمية ومعززاً لسيادة البلاد...

الهند من بلاد الله التي عانت كثيراً من مراحل التاريخ وتقلباته حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من التعايش بين أعراقها وطوائفها ولهجاتها التي تجاوزت الآلاف، وتسامت على كل الظروف القاسية ليتصدر الهنود في الاتصالات والتكنولوجيا وتقنية الشبكات في بلاد العالم ويذهلوا بعقليتهم كل دوائر الاقتصاد ومجتمعات المعرفة والنهضة، ويكفيهم أنهم عضو رئيس في النادي النووي منذ عقود طويلة، الهند بلاد تاج محل وغيره من نماذج العمارة الإسلامية وطراز الأباطرة المغول، وبلاد الشيخ محمد صديق القنوجي، وعبق البطل المسلم محمود الغزنوي وآثار المسلمين المغول، الهند بلاد المهاتما غاندي الذي ثار على نظام الطبقات، وبنى الهند الحديثة في عام 1947م، ضد نظام الطبقات والعرقيات والأقليات، ليشهد الجميع أنها بلاد العظماء والعجائب والدهشة، ولا يليق بها التفتيت والإرهاب بأي وجه كان، فلن تستطيع قوة أن تقتل كل الهنود غير المسلمين ولن ينجح مشروع في فناء مئات الملايين ولذلك لن ينفع معها إلا التثقيف الناعم والدعوة عن طريق الحكمة والقول اللين، وبخاصة أنها لا تمنع الدعوة ولا تحارب الدعاة ولا تجرّم الدين الإسلامي، فلا يقر العقلاء الهنود وما أكثرهم التطرف الهندوسي ولا السيخي ولا مغامرات تنظيم القاعدة وداعش وكل حركات الإسلام السياسي المتطرفة، والتي أثبتت أنها بعنفها لم تقدم للمسلمين إلا الويل والثبور والتخلف والترصد والمتابعة، وحينما نسبر أغوار الهند نجد أن المسلمين يبلغ عددهم 180 مليون نسمة ولم يعانوا من نظام عنصري ولا إقصاء ممنهج، وأي زج لهم من قبل مغامرات الحزبيين الحالمين في أتون الحروب والتفجيرات والتشويش على النظام كارثة إنسانية قبل أن تكون كارثة على أهل الإسلام وتمكين الإسلام في تلك الأراضي الكريمة التي قدم فيها أسلافنا أروع النماذج الإنسانية، ولا يمكن أن ننسى أن ذلك العدد القليل هو مقابل الأغلبية الطائفة الهندوسية الذين يشكِّلون 80% من سكان الهند أي أكثر من 800 مليون نسمة ويحكمها نظام ديمقراطي توصل من خلاله المسلم أبو الكلام للرئاسة في بلاد الهند، وهو الرئيس الحادي عشر للهند، حيث ترأس بلاده من 2002م وحتى 2007م، وقد جمع عبد الكلام الكثير من تصوراته في كتابه «الهند 2020م» والذي وضع فيه مخططاً لتطوير الهند إلى قوة عظمى قائمة على المعرفة وجعلها بلداً متقدماً بحلول عام 2020م.. وهو صاحب القنبلة النووية الهندية.. قال الشيخ عائالقرني في مقالته المعنونة تحت اسم: «الشباب صنّاع التغيير».. والمنشورة في جريدة «الشرق الأوسط».. بتاريخ الثلاثاء 19 / 3 / 1432 هـ - 22 / 2 / 2011 م «كنت قبل أسبوع في الهند مع بعض الدعاة السعوديين، فزرنا خمس جامعات في ولاية كجيرات وجمعية العلماء بنيودلهي وندوة العلماء بلكنو، فوجدنا شباباً مؤمناً بالله جمع بين دراسة صحيح البخاري والـ «فيس بوك»، بين التسبيح وتعلم الكيمياء، بين اتباع السنة ودراسة الكون، وكان أستاذهم في الهند الدكتور أبو الكلام الفيزيائي المسلم المصلي الذي اكتشف القنبلة الذرية، فأكرمه الشعب الهندي بأن توّجه رئيساً للهند، كان عنده معمل فيزيائي معه ثمانية موظفين، إذا أذّن المؤذن ترك العمل، وذهب إلى المسجد، وهذا الذي نريده من الشباب»....

إن اللجوء إلى العنف والتفجير والإرهاب سيحمّل المسلمين فواتير باهظة مثلما تحملها مسلمو اليوم في كثير من نقاط التوتر في العالم وليس هناك من حل إلا بالمطالبة بحقوقهم التي كفلتها دساتير تلك البلاد دونما عنف وإرهاب لأن المواجهات لا تجدي وسيبنون حواجز بينهم وبين من حولهم ولن يصلوا بالعنف إلى مبتغاهم السياسي، بل سيحاربهم العالم بأكمله وبخاصة في ظل تذمر عالمي من تصرفات حركات الإسلام السياسي التي قررت انتزاع الحقوق وغير الحقوق عن طريق السلاح والعمليات المسلحة فواجهت العالم وواجهها العالم، ولا بد من التثقيف الناعم في الدعوة إلى الله جل وعلا، والعمل على تطبيق شروط الاتفاقية لحماية المسلمين في الهند والهندوس في باكستان والتي وقّعها رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو مع رئيس وزراء باكستان لياقة علي خان تقضي بحماية كلتا الطائفتين في كلتا الجهتين.

إن المجازر التي تعرض لها مسلمو الروهنجيا في ولاية أراكان غربي بورما أو ميانمار، والمجازر التي تعرض لها المسلمون في أفريقيا تجعلنا أمام واجب شرعي ومسؤولية دولية نسعى من خلالها أن نحفظ حقوق هؤلاء المسلمين بالسلم والسلام والتعايش في مجتمعاتهم عن طريق دساتير تضمن لهم حقوق إنسانيتهم وإسلامهم وعاداتهم ولا نستعديهم على من يعيش معهم في تلك البلاد، ولن يكون ذلك الإقرار لحقوقهم الشرعية بالعنف ولن نستطيع ولن ننجح وقد أثبتت الأيام فشل هذا المنهج الحركي في صياغة مجتمع مسلم آمن على هذه الأرض، وما إعلان القاعدة لتنظيمها في شبه القارة الهندية إلا جريمة من جرائمهم التي أضرت بأهل الإسلام وصدت عن سبيل الله وجعلت المسلمين ودعاتهم في حرج كبير بعدما توحش منهم الآخرون، بل إنه يعطي المجرمين الطائفيين العنصريين مسوغاً أمام المجتمع الدولي بالسكوت على ظلم المؤمنين واضطهاد المسلمين في شبه القارة الهندية التي أفرزت صوراً لا يقبلها الأسوياء من إحراق للناس في النيران وتهجير للبشر من أراضيهم ومن حرمان المواطنين من حق المواطنة وغيرها وسيزيد من مأساتهم ذلك الإعلان من تنظيم أفسد على المسلمين واقعهم وجعلهم لقمة سائغة في فم الإجرام والاستبداد والدكتاتورية، ويكفي أن نعرف أن العديد من مسلمي الروهنجيا قد فروا وعاشوا لاجئين في مخيمات في بنغلاديش المجاورة وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع بورما ليشهد التاريخ الإنساني على أننا نعيش ثقافة الغاب والكهف والجحور، بالرغم من بلوغ البشرية نهاية التاريخ كما يزعمون والكارثة أن ذلك التاريخ لم ينجز أنبل مهماته في تطوير الإنسان والحفاظ عليه من الذبح والإحراق والدفن حياً، وأخيراً إن الحروب الدينية هي أقسى الحروب، وما دمت تسمح لنفسك بهذه الحروب فلا تنتظر من الآخرين إلا المعاملة بالمثل، بل تشرعن لهم كل التجاوزات، وستكون حينئذ أحمق إن كنت غير قادر على المواجهة وحماية مشروعك.. والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب