17-09-2014

لوعة أُم..!

بُني..

وأنت تلملم شتاتك لتلحق بركب المقاتلين سراً لظنك أنه نداء الشهامة والمروءة والجهاد.. التفت لحظة.. وانظر إلى حطام الأمومة الذي ستتركه.. وسل نفسك بأي حق تضام الأمهات؟

بُني..

قبل أن ترحل وترمي نفسك بين الدم والنار.. ليت أنك رددت لي قلبي أو انتظرت قليلاً كي أموت.. ولم تتركني مُعلقة على جمر القلق والخوف.. أبحث بين أمواج الأخبار الهادرة عن خبر يطمئن زلزلة قلبي.. تعبت أقلب طرفي في وجوه المنحورين.. أبحث فيهم عن شيء يشبهك!

قصدت تحرير الحرائر.. وذبحتني من الوريد إلى الوريد.. وجع يجتث من داخلي الحياة وكل ما حولي فراغ ينتظر الموت.. موتي أنا أو أنت.. لكلانا انتظر الغفوة الكبرى فهذا العذاب لا يطاق..ولا ينتهي.. قد أغفر لك وكل أملي أن تكون بخير.. لكن هل يغفر الله لوعة الأمهات؟

بُني..

سل من جنودك.. لو وصلتم إلى حدود الوطن.. على من ستشهر سلاحك؟

أبوك!.. أخوك!.. ابن عمك! أبناء الوطن!.. ألسنا كلنا نحمل في صدورنا ذات الشهادة وذات الدين!

وماذا عن السبايا؟ هل سأكون إحداهن وأخواتك وخالاتك وعماتك وبنات الوطن!

بُني..

قد كان تعكر مزاجك قليلاً ..كفيلٌ بحزني.. وابتسامتك تفتح للفرح في قلبي مليون سبب.. في كل مرة تتأخر.. أقرع أبواب السماء بدعاء الرحمات ليحفظك الله حتى تعود.. أراقب خطواتك وعند كل زلة.. أفديك فيها بما بقي لي من عمرٍ لتنجو.. ولا أبالي.. في كل مرة احتضنك ينساب نهر الحياة في صدري ويمنحني جنة الدنيا.. أباغت اللهفة في شهيق يحمل رائحتك.. فأنت لا تعرف ماذا تعني رائحة الأبناء.. أغراضك المبعثرة هنا وهناك.. آثارك التي تتركها دون اهتمام.. أتتبع بها أخبارك التي لن تفهم كيف تعرفها الأمهات.. كيف تجمعها وتسرد بها أسرارك التي أعرفها جيداً وتظنها خافية..

إلا سرك الذي حملته خنجراً.. واستقر في قلبي.. يوم أن أخفيت نية الرحيل.. وتركت لي غياب لم يعرف رحمة الوداع..

امنحني صبراً لأتنفس.. فغيابك مشرط عالق بين ضلعي وقلبي.. أتنفسك وجعاً.. وأكتمك نزفاً..

«كُتبت باسم كل أم فارقها ابنها.. وترك قضيته العظمى.. ليفتح مع الأغراب ملفات الدمار».

amal.f33@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب