24-09-2014

التقلبات الزمنية في مواصفات الأنوثة

اجتهدت قليلاً لاستنتاج مقاييس الجودة النوعية للأنثى عند ثلاثة مجتمعات تعايشت معها لفترات كافية، وعثرت على ما يحمل دلالات عقلانية مشتركة بين المجتمعات الثلاثة بهذا الخصوص. بعد الافتراض أننا نتكلم عن كائن أنثوي على نفس القدر من الحضور الظاهري المقبول، ليس بالطاغي ولا المتواضع، وجدت اتفاقاً مذهلاً في التوصيف والتسميات.

عندما تكون الأنثى المقبولة منظراً تحمل مواصفات يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها اجتماعياً، يقولون عنها في المجتمعات العربية إنها امرأة حقيقية، ست بحق وحقيق، ست ستات، امرأة يتمناها كل واحد لنفسه أو لولده. الألمان يقولون عن المرأة بهذه المواصفات ما ترجمته: امرأة حقيقة، سيدة متكاملة، امرأة من جميع الوجوه. الإنجليز يقولون أيضاً امرأة حقيقة، امرأة مثالية، أو امرأة كما يفترض أن تكون.

تتلخص المواصفات المثالية للمرأة المتفق عليها عندنا وعندهم في قوة الشخصية ورجاحة العقل. عندما تعتمد الأنثى على اللسان للاستقواء في مجتمع الرجال تسمى عند العرب سليطة، وعند الألمان امرأة بلسان مسموم، والإنجليز يقولون امرأة متنمرة.

الاستشهاد بأوجه التشابه بين المجتمعات المختلفة لا أهمية له هنا أكثر من محاولة تصحيح المفاهيم عند الفئات الاجتماعية التي تزعم بدون علم أن المجتمعات الغربية تفضل المرأة الألعوبة المتكسبة بجسدها، لأن المرأة عندهم مجرد سلعة تجارية.

ما علينا من المجتمعات الأخرى، ولننظر في مجتمعاتنا العربية، وفي المجتمع الخليجي على الخصوص. في الجتمعات كاملة السلطة الذكورية تحاول الأنثى الاستقواء والاستهواء بجمالها وغنجها ومفاتنها الجسدية، وبلسانها في حالات أقل. رجاحة العقل وقوة الشخصية والذكاء لا تقدم للمرأة المكانة الاجتماعية العادلة واللائقة في المجتمعات الذكورية.

علينا لهذه الأسباب أن نعترف، لوجود البرهان والدليــل، أن المرأة الخليجية هي أكثر نساء العالم استهلاكاً للمكمـــلات الجماليـــة (الإكسسوارات). الفساتين وحقائب اليد والساعات والهواتف المحمولة والأحذية والأصباغ والكريمات وشد الترهلات وحقن الأرداف والصدور ونفخ الشفاه، هذه مجرد أمثلة استهلاكية شائعة في المجتمع العربي والخليجي لمحاولات الوصول إلى مكانة ما في عالم الرجال.

النظرة التدجينية للأنثى بإعطائها مواصفات غرائزية جعلتها تلجأ للألوان والأصباغ والنعومة والاكتناز وكماليات الموضة الباهظة التكاليف. الاعتماد على رجاحة العقل وقوة الشخصية والذكاء لا يفتح للمرأة العربية أبواب العمل الشريف ولا الوصول إلى مراكز المسؤولية المستحقة.

هذا الواقع التدجيني للمرأة في قفص الأنثوية الإغرائية ليس هو النمط المطبق في الغرب ولا في المجتمعات الشرقية الناهضة. هذا الواقع التدجيني أيضاً ليس إسلامياً ولا عربياً بالمعنى الشرعي أو العرفي أو التراثي القديم.

حسب المواصفات المرغوبة للأنوثة حالياً يستحيل وجود أنثى واحدة بين جداتنا وأمهاتنا عبر كل تاريخنا القديم. آنذاك كانت المرأة الحقيقية في الحقول والمراعي وموارد المياه، ولها نفس تلك الروائح البيئية. أهل تلك الأزمنة كانوا يتعايشون مع الأنثى الكاملة، المرأة الحقيقية التي تخزي العين المتلصصة وتصدها قبل أن تتجرأ، أي المرأة التي يمكن الاعتماد على كفاءتها ورجاحة عقلها في كل أمور الحياة مثلها مثل الرجل. المواصفات الحديثة للأنوثة كانت في تلك الأزمة الملتزمة بالشروط الإنسانية للحياة من مواصفات الجواري والقيان وبنات الهوى.

أما مواصفات الجودة النوعية للرجولة فتحتاج إلى عشر جلسات في مجلس الشورى على الأقل، مع حفظ التوصيات في الأدراج لعشر سنوات قادمة.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب