26-09-2014

وتبقى العولمة والتدفق المعلوماتي.. تعبيراً عن إرادة هيمنة الأقطاب

عمليات مستمرة تكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوه سيطرة تحمل في داخلها علاقات أخرى متشابكة من السيطرة يقف الإنسان مشدوهاً حائراً أمامها يُسائل نفسه ترى كيف لنا أن نواجه هذا الكم الهائل من تحديات الاختراق الثقافي والزخم المعلوماتي لعقولنا في سبيل تأصيل ذاكرتنا التاريخية، مشاهد وأحداث تتسارع على مدار الساعة.. كمٌ هائل من المتغيرات العالمية تتدفق بشكل جنوني من خلال الوسائط والشبكات الإعلامية تصل إلينا..

تخترق عقولنا دون سابق إنذار.. تحولات مختلفة ومتشابكة الأبعاد تدور في أجزاء القرية الكونية لتُخْضِع عقول البشر فتصبح أسيرة للمخططين والداعمين لها..ما يحول دون إمكانية خلق تفاعل متوازن بين الثقافات والشعوب والمجتمعات الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى تعميق التبعية الثقافية والاقتصادية تجاه المراكز المتقدمة عالمياً والاندماج غير المتكافئ الذي تنفرد أمريكا بقيادته خدمة لمصالحها. لا جدال في أن التطور التقني في مجال الاتصالات أفرزكماً هائلاً من وسائل أكثر سهولة في تبادل المعلومات في مختلف المجالات ولا جدال بأن تأثيراته الايجابية بالغة الأهمية على الشعوب باختصار الزمان وإلغاء المكان في تداول المعلومات واتساع مساحة العلاقات بين البشر ومع ذلك يبقى المرء في حيرة أمام تلك المتغيرات المؤثرة في حياة البشر وبأشكال متباينة حتى بات يشعر بعجزه عن الفهم أحياناً وعن التحليل والتفسير في أحيان أخرى.. ذهولٌ وصراع داخلي ينتابه وهو يقف على أرض الواقع عاجزاً عن إثبات ذاته وسط تحديات عصرية متناقضة تتراوح ما بين دعاوى للتوحد وتحطيم الحواجز بين الشعوب.. ووقائع تشير إلى حالات التفكك والصراع والتطرف بأشكاله المختلفة.. وازدياد حركات المعارضة والتمرد في أجزاء كثيرة من العالم.. اختلت المعايير واختفت القيم الأخلاقية وحلت محلها القيم المادية المعبرة عن ثقافة المصالح وحضارة الأسواق.. واتضحت وبدون مواربة سلوكيات الغطرسة والاستغلال في خطابات القوى السياسية الداعية للعولمة والمناصرة لها لذا لم تكن العولمة مجرد آلية من آليات التطور بل هي وبالدرجة الأولى ايديولوجياً تعكس إرادة الهيمنة على العالم.. ولتحقيق مساعيها استخدمت عدة وسائل ومن أبرزها على الإطلاق.. استخدام الأسواق المالية بغية الإخلال بالتوازن الاقتصادي وإعطاء الأولوية والأهمية للإعلام لإحداث التغيرات المطلوبة على الصعيدين المحلي والعالمي.. ولا تكتفي بذلك بل تعمل من خلال الاختراق الثقافي للشعوب على تغيير منظومة القيم وأنماط العادات والسلوك وإحلال منظومة جديدة من المعايير والقيم التي ترسخ النفعية والأنانية والنزعة المادية.

العولمة الثقافية لا تقل خطورة عن العولمة الاقتصادية والسياسية وخطورتها تتجلى في تعريض النسيج الاجتماعي لأي مجتمع للتمزق وصرف النظر عن الفوارق بين طبقات المجتمع الواحد من حيث الفقر والثراء واللون والدين وإقصاء للخصوصيات وبالتالي الاستسلام للتبعية التي تشكل الهدف الأول والأخير للعولمة.

وعندما يتحدث دعاة العولمة بلهجة المتيقن بأنها قدر محتوم لا مفر منه وأنه لا خيار سوى الدخول في تيار العولمة والتكيف معه للخروج من نفق التخلف والاستفادة من الفرص التي يزعم مروجوها بأنها متاحة يؤكد مناهضوها بأن العالم لا يزال أبعد ما يكون عن ذلك. وفي ظل تسارع خطوات العولمة هل ستبقى الشعوب خاضعة لتيارات ثقافية عاتية تخترق عقولها وتشوه هويتها.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب