03-10-2014

فلسفة الإحساس بالزمن..مؤشرٌ لطبيعة العلاقة الملتبسة بين الذات والموضوع

منذ القدم ومفهوم الزمن يحتل صدارة المفاهيم الإشكالية الفلسفية عند قدماء الفلاسفة..ولازال الفلاسفة حتى عصرنا الحالي يقفون أمام هذا المفهوم بحثاً عن أعمق أسرار الكون وأكثرها التصاقاً بوجود الإنسان وحياته على وجه الإطلاق..ومع أهمية الجهود الفلسفية التي بُذِلت في مقاربة مفهوم الزمن على مدى التاريخ إلا أنه لازال يشكل لغزاً غامضاً في هذه الحياة..قد يسأل أحدُهم وما وجه الغموض فيه إذا كان الزمن يعني الوقت الذي نعيشه ونعده بالثواني والدقائق والساعات وتعاقب الليل والنهار.

نعم هذا ما تعارف عليه كل البشر..وهو ما يسمى بالزمن المطلق أي الزمن الذي يجري من تلقاء نفسه وبطبيعةٍ ذاتِ وتيرة واحدة دون أي صلة بينه وبين أي تأثيرٍ خارجي..أما بالنسبة للغموض فيكمن في فلسفة الإحساس بالزمن النفسي داخل أعماق كل إنسان.

في حقل التجارب والاختبارات دائماً ما يربط العلماء والباحثون أبحاثهم وتجاربهم بمختلف أنواع العلوم والمعارف وذلك لدراسة ومعرفة مدى التوافق أو التناقض بين بعضها البعض.. ولا يُكتفى بذلك بل قد كانت مختلف الصدف أو الحياة العامة أو الحياة الأسرية مجالاً واسعاً للباحثين لاستنباط كثيرٍ من الحقائق المُشاهدة اليوم في حياتنا العامة.. وهذا ما أشار إليه البروفيسور في علم النفس (جون ويردين) حيث قال: إن أمي تقول: الأيام تبدو وكأنها ستدوم إلى الأبد.. وإن الشهور تبدو وكأنها ستطير من السرعة ويبقى السؤال..لماذا نعيش اللحظات السعيدة بسرعة لا نتوقعها ولماذا تمرعلينا لحظات الألم والحزن وكأنها دهرٌ لا نهاية له وعندما نعود بالذاكرة لأيام طفولتنا تبدو السنون كأنها تمر مرور السحاب، جميعنا مرَّ بتجارب مختلفة ومتباينة كان الزمن فيها مقياساً ذاتياً للأحاسيس الداخلية في أعماقنا.. ومرآة تعكس على ملامح وجوهنا آثار المواقف وظلال المشاعر التي تعتمل داخل نفوسنا.. وهو بطبيعة الحال مقياس متغير ومختلف من شخص لآخر والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة فمثلاً.. عندما نمر بتجربة انتظار الدور في ردهات المستشفى لرؤية الطبيب فكيف أن الوقت يبدو لنا بطيئاً وثقيلاً..وكأن عقارب الساعة قد توقفت عن الحركة.. بينما متابعة فلم ممتع أو حوار شيق أوالذهاب في نزهة برية مع الأبناء.. يولد لدينا شعوراً وكأن الوقت قد ركض بسرعة فائقة..في السياق ذاته لا بد من الإشارة إلى أن العديد من كتب الفلسفة الزمنية القديمة والحديثة تحدثت عن وجود مقياسين للزمن.. الأول ذاتي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفكر ووعي ومشاعر الإنسان وبالأحداث التي تمر عليه في حياته.. والآخر موضوعي وهو ضبط حركة الزمن بتقسيمه إلى سنين وشهور وأيام.وتشيركتب التاريخ أن أول من قام بذلك السومريون والبابليون الذين رصدوا حركة الشمس والقمر للاستفادة منها في الزراعة ومعرفة مواسم الحصاد وفيضانات الأنهار.

إن مفهوم الزمن وماهيته عبر نسق أبحاث الفلاسفة تخطى شطحات الخيال الإنساني وومضات العقل البشري.. ويكفي أن قدماء الفلاسفة استطاعوا اكتشاف مدى وقوة تأثير الزمن في النفس البشرية تماماً كما في الكون..والكاتب الفرنسي الشهير (فولتير) الذي عاش في عصر التنوير وذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة التي ميزته عن غيره من الفلاسفة.. أضاف فلسفة مدهشة عن الزمن ضمن عباراته الأدبية المفعمة بالفلسفة مفادها (ليس في الكون ما هو أطول من الزمن وليس في الوجود أقصر منه.. أو ليس الزمن هو المقياس الوحيد الذي نقيس به حياتنا وأعمارنا ومع ذلك نراه يضيق دون إكمال ما نبتغيه ويقصر دون إنجاز ما نهدف إلى تحقيقه.. الزمن يمضي بسرعة تفوق سرعة الضوء والبرق عندما نعيش لحظات السعادة والفرح.. والزمن ثقيل في الانتظار حتى وإن كان انتظاراً لمصعد. الزمن بعدٌ عظيم سكن الإنسان بقوة مثلما سكن الإنسان فيه ومع ذلك ليس في الكون مثل الزمن يطمس معالم التفاهة..ويخلد آثار نبوغ وتاريخ العظماء.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب