08-10-2014

من الوقوف على جبل الرحمة إلى الوقوف على هضبة التنهدات

هذه ثلة من تداعيات مؤلمة متأملة في الحال العربي إلا أنها لا تدّعي شرف التحليل ولا تدفع تهمة التساؤل.

-1-

إذا كان الحاج عادة على مستوى فردي يرجو من الله أن ينتهي الحج بتطهره من الآثام والخطايا والذنوب والجرائر ليعود بريئاً حراً كيوم ولادته في محاولة لما

يمكن أن نسميه بالحصول على فرصة ثانية لبداية جديدة، فإن الحج بهذا المعنى على المستوى الجمعي يعبر عن رموز عميقة في المساواة وفي مشتركات التكليف بعمارة الأرض. وبهذا يعبر تحديدا عن شرط السلام لتحقيق هذه الغاية النبيلة من العمران بين البشر بغض النظر عن نحلهم ومللهم. وربما من فكرة مجردة مثل هذه قرأنا لمحمد أسد رؤيته الشفيفة لشعيرة الحج من بداية أشهرها الحرم كحالة سلمية على مستوى ذاتي في العلاقات الفردية وعلى المستوى العام في علاقات القوى.

* * *

-2-

ولهذا لا بد أن كل محب للسلم الوطني والإقليمي والدولي وكل عدو للصراع العنفي بأطيافه الإثنية والعرقية والعقدية والمذهبية والطائفية وسواها من أسباب الانقسامات اللاعقلانية قد تنفس الصعداء في العلن وبين الضلوع على تتويج موسم هذا الحج للعام الهجري 1435 بتاج عزيز هذه الأيام، وهو تاج السلام وسط منطقة تنهش جغرافيتها وتاريخها خطافات الحرب من الداخل والخارج، وتشارك بجهالة وعمد أو بعمى البصائر في تمزيق مستقبلها بين الأقوياء أو المستقوين بسواهم.

* * *

-3-

وبما أنني ممن لم يذهبوا للحج لمحاولة غسل الروح من جروح الحروب المحيطة بنا، ولم يحاولوا أو يتسنى لهم السفر للهرب من مشاهد شعبنا العربي الذي يقطر دم أطفاله ونسائه ومختلف ناسه على شاشات نشرات الأخبار، فقد عشت أكثر من حالة وحشة مبرحة في الأيام القليلة الماضية وإن كانت في حقيقتها حالات مزمنة إلا أن وحشة الأعياد أقسى أنواع الاستيحاش. الوحشة الأولى كانت وحشة مدينة الرياض التي بدا وكأن اهلها هجروها فجأة وقطعوا عنها جميع تيارات صخبها المعتاد من المقيمين والمواطنين معا،حيث بقيت وحدي أقرأ في أدبيات الحرب والسلام وأسمع أصوات خراف الأضاحي عند الذبح وصوت صمت الحملان أيضاً. أما الوحشة الثانية فكانت وحشة الحرب التي كنت أحس أن شظاياها تمر بين روحي وجسدي ولا أدري في أي دوار تأخذني وإلى أين. بقيت حالة الوحشة الثالثة التي أضنتني من حال تلك المدن الخليجية القريبة المشغولة بمهرجانات التسوق وحفلات الغناء التي يتسلل بهرجها عبر بعض الشاشات في مشاهد تزيد منسوب حدة الأسئلة في دمي، كما تزيد من سريالية الحروب الدائرة على الجانب الجنوبي من الخاصرة.

* * *

-4-

لا قوارح ولا أضاحي في عيد الأضحى باللهجة السبأية بعد انهيار مأرب،بل ضحايا وسائرين طوعاً وكرهاً بعضهم مسير وبعضهم يختار مجاراة البطولة في مسارات واضحة نحو محاقات شديدة الحلكة بالغة الغموض. ففي اليمن تنتهي مسيرات انتفاضاته السلمية إلى غرق الشعب اليمني في أتون الفقر والقهر والإقصاء بينما يجري مناصرة إسلام سياسي على آخر ويفاقم انفضاض الجوار عن اشكالاته الاقتصادية والعسكرية العميقة بما قد يعطيه أدواراً خطرة عليه وعليها نحو مزيد من توسيع الدوائر الدائرة على المنطقة. ليس اليمن وحده نموذجا بل هناك أكثر من دولة عربية تداعت و تتداعى أمامنا على رؤوس الاشهاد وينحل منها أي أمل بقيام دولة حديثة،من ليبيا الممزقة بين الميليشيات إلى الحريق البواح في أكثر من ثلث سوريا ونصف العراق عدا عن تحول خارطة البلدين بالتوالي لأفران نازية. هذا بالإضافة إلى ماظهر ومالم يظهر بعد من رؤوس التنين المجللة بالدخان ومضي الخراب قدما في دمائنا. وفيما الخروج على مابعد 11سبتمبر والعودة لما قبل 2011م تكلف المنطقة النكوص عن أهم مكتسبات نضال التحرر للقرن الماضي التي تمثلت في محاربة ثلاثي الأمية والمرض والاستعمار، فإن شعوب بأكملها تتحول إلى وليمة دسمة أو ضيوف مستضعفة غير مرغوب فيهم على موائد الأكولين وهوامير السياسة وتماسيح المخابرات وفك الحروب المفترس والمتكرمين واللئام على حد سواء.

* * *

-5-

وبغض النظر عما يقوله الإعلام الموالي أو الإعلام المعارض في العالم العربي عن جحيم تلاحق الأحداث السياسية الفادحة،حيث أصبحت تتشابه الرطانة والكل أصبح ضليعاً أو بليغاً في توظيف مفردات حقوق الإنسان والسلم الأهلي وحوار الحضارات والإسلام السياسي، وإن اختلفت الغايات ومعايير التقيم والتحيزات، فإن هناك فراغا مريعا على مستوى الرؤى الجذرية في الفكر والثقافة معاً لاستيعاب ما يجري أو فهمه ناهيك عن تحليله برشد وعقلانية وربطه أو تفكيكه في علاقته بمصير المنطقة دولاً وشعباً. وإذا كان هناك من قال أرحميني ياسيدتي فإنا أعمى بغرناطة، فإنا نقول مع الشاعر البردوني آه لو كنت أعمى في صنعاء أو في عين العرب،فلا نلوم الا الشعب العربي لا أمريكا ولا داعش ولا الأنظمة.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Fowziyaat@hotmail.com

Twitter: F@abukhalid

مقالات أخرى للكاتب