10-09-2014

حق السلم الأسري وحق حفظ الحقوق للأم والأطفال

يبدو كأنني أجامل جريدتي ولكن كلمة الحق حق لنا أو علينا وتقدير الجهود لا يزيد المجتهدين إلا اجتهاداً، فكم كانت لقطة ذكية تميز بها مانشت الصفحة الأولى من جريدة الجزيرة على عدد من الصحف المحلية الأخرى ليوم الأحد الماضي بتاريخ 12-11-1435هـ الموافق 7-9-2014م.

«أصدر المجلس الأعلى للقضاء قراراً يقضي بإلزام المحكمة ناظرة قضية الحضانة أن يتضمن حكمها حق مراجعة الأحوال المدنية والجوازات والسفارات وإدارات التعليم وإنهاء ما يخص المحضون من إجراءات... وأن يعامل طلب الإذن بالسفر بالمحضون خارج المملكة معاملة المسائل المستعجلة....»، «وهذا القرار لتخفيف المعاناة على النساء والأطفال من حالات تعسف بعض الأزواج الذي بحسب رصد وزارة العدل لحرمان الأطفال من حقوقهم المدنية...» «..وتم توجيه محاكم الأحوال الشخصية بأن تكون القضايا الأسرية قضايا الجلسة الواحدة وألا تتجاوز في جميع الأحوال الأسبوع الواحد».

ومن المأمول أن يعني ذلك البت في مواضع الطلاق والحضانة والطلاق والمؤخر نظراً لترابطها في نفس المرافعة أو الجلسة أو على الأقل كقضية واحدة متلازمة الأجزاء.

لقد أفردت الصحيفة المانشيت الرئيسي للخبر العدلي أعلاه الذي جرى انتظاره عدة أجيال ليرفع الظلم عن أرواح بريئة وينصفها لتتمكن من العيش بكرامة وسلام في هذا الحياة. أن المهنية العالية التي أبرزت هذا الخبر العدلي على سواه من أخبار السياسة والبرتوكول الداخلية والخارجية تكمن في حسها المتفاعل مع القضايا الميدانية التي تهم الناس. وفي محاولتها لتعزيز الوعي بالمكتسبات التي تصب في تحسين شروط الواقع الاجتماعي للمجتمع والأفراد. وهذا أمر منشود إعلامياً وعدلياً ووطنياً في محاولة الارتقاء لاستحقاقات هذه المرحلة التاريخية من عمر المجتمع الدولي بل ومن عمر الاجتماع البشري التي صارت فيها صيانة حقوق الإنسان وأولها حقوق الأطفال والنساء رمزا لقوة الدول وديموقراطيتها ومقياسا لبقاء أو زوال الحكومات.

ولم تعد سراً خلفيات الواقع الموجع التي تجعل مثل هذا القرار ذا أهمية خاصة في ذاته وذا أهمية خاصة في تعزيز دور السلطة القضائية في مسيرة بناء وطني سوي يقوم على السلم الأهلي وينشد المزيد من إقرار الحقوق والمساواة.

ولو أن مسحاً إحصائياً قام برصد أبلغ صور المعاناة التي تغطيها التحقيقات الصحفية لجميع صحف المملكة على مدى سنوات لوجد دون مبالغة أنها تتمثل في معاناة أطفال الطلاق ومنها مثالاً لاحصراً تلك الحالات التي انتهت إلى قتل أو موت براعم وادعة جراء سوء أوضاع ما بعد الطلاق وتحارب الوالدين على حساب الأبناء. فالأطفال هم أكبر ضحايا الطلاق على الإطلاق. وهم في الأغلب الطرف المتضرر الأول أي كان الطلاق رحيماً ونظيفاً فما بالك ومعظم الطلاقات مع الأسف بشواهد من الواقع الميداني لا تتم إلا بأقسى وأبشع الصور التي قد يتحول فيها الأطفال إلى أجساد غضة مفخخة يحاول كل من الطليقين أو أحدهما تفجيرها في الآخر. وما قصة لمى أو أريج أو حسام أو سواها من أسماء إلا عينة على تلك الفواجع التي صدمت الرأي العام بمقتلها أو تعرضها لتعذيب مبرح نتيجة لغياب تقنين حقوق النساء وحقوق الأطفال فيما يخص حالات الطلاق وارتباط ذلك بطبيعة الحال بغياب المتابعة والمحاسبة. ولهذا ففي الدول المتقدمة لا يعتبر الطفل ملكية خاصة للأسرة تفعل به ما تشاء دون مراقبة أو محاسبة بل هو مواطن تقع على الدولة مسؤولية أمانه الجسدي والنفسي في الأسرة وفي المدرسة وفي حياض الوطن أينما كان، ويجري تشديد الرقابة ومتابعة تطبيق الحقوق بشكل مشدد في حالة وجود أي حالات أسرية معقدة.

ولذا فلو أن متابعة قريبة أُجريت لأبرز المطالب الأسرية التي تناولها الكتاب عموما والكاتبات خاصة على مدى سنوات أيضا لوجد أن مطلب تدوين الحقوق الشرعية للأوضاع الأسرية أو ما يرمز إليه بمدونة الأحوال الشخصية، وكذلك مطلب إقامة محاكم خاصة بالقضايا الأسرية هما من أكثر المطالب إلحاحاً وتلك المطالب كانت تأتي بهدف إيجاد المنظومة العدلية الموحدة المنصفة من ناحية وإيجاد البيئة العدلية المهيئة من ناحية أخرى التي تضمن الحقوق وبالتالي تضمن الاستقرار والسلم الأسري في كل الأحوال بما فيها أو بالأحرى خاصة تلك التي تنفصم فيها عرى العلاقة الزوجية.

وقد كتبت عن ذلك سنين طوال كما كتب سعد الدوسري وفوزية البكر وفوزية الجار الله وأميمة الخميس وسعود الضحيان ورقية الهويريني وهدى المعجل وناهد باشطح وسهيلة زين العابدين حسناء القنيعير وهتون الفاسي والقائمة تطول من كتاب صحيفة الجزيرة وكتاب الصحف الأخرى ومختلف منابر الإعلام الجديد.

فمع أن الطلاق للزوجين أو لأحدهما قرار شخصي في الغالب على إيلامه إلا أنه بالنسبة للأطفال وضع إكراهي وجدوا أنفسهم فيه دونما إرادة منهم. وإذا كان الأسلم للأطفال كما يقول التربيون ألا ينشأوا في بيوت متصدعة من الداخل وإن كان الثمن الطلاق على أن يعيشوا في بيوت تسيجها الكراهية بين الزوجين وتزلزلها الخلافات, فإن ذلك مشروط بضمانات معيشة كريمة في بيوت يتوفر لهم فيها الوئام والأمان والحب ويحظون فيها بحب ورعاية الوالدين وبفرصة تبادل الحب والاحترام مع كلا الوالدين وإن كانت معيشتهم اليومية في البيت الحاضن.

ولهذا جرى انتظار هذا القرار العدلي كما جرت المطالبة به, كما يجري تثمينه الآن تثمينا عظيما برجاء الالتزام في تنفيذه لتحويل حالة الطلاق من حالة صراعية إلى حالة حضارية تخفف من آثاره المبرحة باستبدال الشقاق بالوفاق والقطيعة بالحوار والتشاحن بالتفاهم لصالح الأطفال وإن انقطعت العلاقة الزوجية وذلك بقوة الوازع الخلقي والقيمي ما أمكن وبقوة القانون وبقوة الشرع وبقوة الصرامة والمساواة في تنفيذ تلك الأنظمة العدلية بما يمكن المرأة من مباشرة شؤون أطفالها وتولي أمر رعايتهم دون ملاحقة أو مضايقة. فالهدف الأسمى أسر سوية وسلم أسري ووطني.

وعلى أمل لا يذبل ولا يلين بأن يعزز هذا القرار الحفاظ على باقة من الحقوق التي تعتبر من أساسيات حقوق الإنسان. وهي حقوق الطفل وحقوق المرأة وحق السلم الاجتماعي وحق الأمان الأسري وحق المواطنة على قدم المساواة.

Fowziyaat@hotmail.com

Twitter: F@abukhalid

مقالات أخرى للكاتب