12-10-2014

كم (عدد الحُجّاج)..؟!

* كنا - عدد من الأصدقاء المسلمين وأنا في بلد إسلامي - نتابع على مدى ثلاثة أو أربعة أيام؛ قنوات عربية تبث نقلاً مباشراً لحركة الحجيج بين مكة ومنى وعرفات، ثم مزدلفة ومنى ومكة، وفي أكثر من مرة؛ يصدمني أحدهم بسؤال حاد: (كم عدد الحجاج)..؟!

* كم عدد الحجاج هذا العام..؟ هل هو ثلاثة ملايين..؟ أم مليونان..؟ أم مليون وثمانمائة كما صرح المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية وقال: الحجاج الذين رموا جمرات العقبة بلغ عددهم مليوناً وثمانمائة ألف حاج..!

* وكم عدد الحجاج الذين تمت إعادتهم من المنافذ المفضية للمشاعر المقدسة، وأولئك الذين تمكنوا من الحج بدون تراخيص رسمية كما تقضي بهذا الأنظمة الهادفة لتحسين خدمات الحجاج..؟!

* تحدث أكثر من مصدر للتلفزات ونحن نتابع؛ أن عدد المعادين من المنافذ بلغ (350 ألفاً)، ومثل هذا العدد دخل المشاعر بدون تراخيص. أي أننا أمام حالة مناهضة لتنظيم الحج بترخيص تناهز المليون كلهم من الداخل من السعوديين والمقيمين..!

* المسلمون في شتى أنحاء الأرض يتابعون بحب وشغف ما يُنشر ويبث عن موسم الحج والعمرة، والسؤال عن عدد الحجاج مبعثه هذا التناقض الذي يقع فيه المحررون والمذيعون الذين يكتبون ويتحدثون لملايين القراء والمشاهدين من المشاعر المقدسة، فهم على ما يبدو لا ينطلقون من معلومات دقيقة، ولم يطلعوا على إحصاءات من جهات رسمية، وقد يبالغ أحدهم نتيجة ما يرى من مشاهد أمامه، فيقع نتيجة لهذا في لبس غير محبب؛ يشوّه صورة إدارة الحجيج التي تنهض بها كثير من الجهات من مختلف القطاعات.

* هذه الحالة ليست جديدة يا سادة يا كرام.. في كل عام نتحدث عن أكثر من رقم، ولم نتفق على رقم واحد منها.. كم عدد الحجاج في العام الفارط..؟! وفي العام الذي سبقه..؟ والعام السابق للسابق..؟! وهكذا دواليك..

* أتذكر أن جهة أو أكثر مسئولة عن إدارة الحجيج؛ كانت فيما قبل ثلاثة عقود؛ تصدر إحصاءات دقيقة في نشرات رسمية توزع حتى على الحجاج قبل سفرهم، توضح عدد الحجاج وجنسياتهم ووسائل وصولهم برية أو بحرية أو جوية، إلا أن شيئاً من هذا لم يظهر بعد ذلك على ما أظن، وإلا كيف تتناول وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي هذا الأمر بهذا الخلط العجيب؛ الذي لا ينبغي أن يكون في ظل ما تقدمه المملكة وما تبذله من جهود جبارة لخدمة حجاج بيت الله الحرام.

* مسألة الأرقام والإحصاءات مسألة حساسة وفي غاية الأهمية علمياً ومعرفياً وإعلامياً، وعلى الإحصاءات الدقيقة تنهض المشاريع الجبارة، وتُبنى أسس الخدمات المريحة، ويجري التخطيط لما هو قادم في حياة الناس. إن الإحصاءات الجيدة؛ تقود إلى أهداف واضحة ونتائج مضمونة، وتوفر درجة مقبولة من الشفافية والمسئولية والمتابعة في عملية اتخاذ القرار على كافة المستويات، وتُمكِّن الحكومات من إنجاح السياسات التنموية الموضوعة، وتوفر كذلك مدخلاً جيداً لإدارة وتوفير الخدمات الأساسية التي تحتاجها المجتمعات، لوضع صورة مستقبلية للتخطيط التنموي والعمل على تحقيقها، ففي كل زمان ومكان، هناك حاجة ماسة للإحصاءات: (المعلومات الإحصائية)، من أجل المساعدة في الدفع إلى الأمام، وليس فقط لقياس التقدم في الأهداف التي تسعى السياسات التنموية لتحقيقها في الوقت الحاضر. هذا هو ديدن الدول والشعوب التي تخطط لمستقبلها بدقة، وتنفذ بدقة أكثر، بينما نحن ما زلنا نستهين بالأرقام، ونتهاون في دقة الإحصاء، فكيف نخطط بدقة، وننفذ بدقة أكثر..؟!

* إن الحج والعمرة هو من أكبر المشاريع العالمية التي تتطلب بنى تحتية جبارة من طرق وموانئ ومطارات وإسكان وخلافه، وتستوجب إدارة دقيقة موجهة بتخطيط سليم قائم على الأرقام التي تمثّل عدد الحجاج ووجهاتهم، وعدد المركبات والخدمات الغذائية والصحية والتسويقية ونحوها. ماذا يعني لنا (عدد الحجاج) في كل عام..؟

* أنا حتى اليوم لا أعرف الجهة الرسمية التي من مهامها إعداد وإصدار إحصاء دقيق بعدد حجاج الداخل والخارج، وأعتقد أنه من الواجب عليها أن تعلن هذه الإحصائية في وقت مبكر قبل يوم التروية، وتزود به كافة الوسائل الإعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية، وتلزم بها ممثلي التلفزات في المشاعر المقدسة الذين ينقلون صور المشاهد العظيمة في عرفات ومزدلفة ومنى والحرم المكي وحتى الحرم النبوي، لكي لا يثيرون الشكوك باجتهاداتهم وتقديراتهم المتناقضة؛ حتى يصل الفرق بين الرقم الأدنى والرقم الأعلى إلى مليون ومائتي حاج..!!

* انتهى الحج؛ وأخذ الضيوف يعودون إلى ديارهم؛ بينما السؤال عند المواطن المتابع أنا؛ بدون إجابة: (كم عدد الحجاج)..؟!

alsalmih@ymail.com

assahm@maktoob.com

مقالات أخرى للكاتب