13-10-2014

هل تجمعنا قيم مشتركة؟

من أبرز سمات المجتمعات المدنية المتقدمة هي أنها تحمل قيماً ومبادىء اجتماعية وإنسانية موحدة ومشتركة، مثل قيم العمل والتعليم والمساواة والفرص المتكافئة بين الرجل والمرأة، واحترام الحريات الفردية وحق الآخر في التعبير عن ذاته وتوجهاته.

إذ يُعرف المجتمع الأمريكي على سبيل المثال بفرص التقدم والازدهار للمجتهد أو الموهوب، حتى ولو انتمى لجماعة مهاجرين أو أقليات، وهو ما يعرف «بالحلم الأمريكي».

في حين تتميز ألمانيا بقيمة الجودة العالية وأهميتها في مجتمع أدمن الإتقان والاحترافية، أما اليابان فقد اشتهرت عالمياً بقيمة العمل والإنتاج إذ يصنف معدل البطالة فيها بالأقل عالمياً، حيث لا يتجاوز الأربعة بالمئة، من جانب آخر، تشتهر بعض الدول بتفاصيل قيمية أكثر دقة وتحديداً، كقيمة العمل التطوعي في كندا، التي تعتبر رائدة في هذا المجال، بعد اتخذها ذلك منهجاً توعوياً وعلاجياً لآثار الحربين العالميتين وتأثيرها على العالم. أو قيمة الفن بمختلف فروعه وامتداداته في المجتمع الفرنسي الذي يتصدر المراتب الأولى في بعض الإنتاجات الأدبية والفنية عبر التاريخ.

وإذا انتقلنا جغرافياً إلى العالم العربي وتحديداً إلى السعودية، نجد أننا نعاني من شح بل أحياناً غياب مفهوم القيم الاجتماعية الموحدة، فمن الممكن أن تجد في حي واحد عشر أسر تحمل آراء مختلفة، حول قضية أساسية قد تكون نسب الاتفاق فيها شبه كاملة في مجتمعات أخرى، خصوصاً تلك القضايا التي لها علاقة مباشرة بالمرأة.

إذ ينقسم المجتمع فيها على نفسه ويصاب تلقائياً بالتوتر والارتباك لأنها ارتبطت ذهنياً ولفترة طويلة بالشرع، بل بقاعدة فقهية باتت مقدسة وهي (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح).

وعلى الرغم من أن المجتمع السعودي ينتمي لحد كبير إلى جذور عرقية واحدة، ودين وطائفة مشتركة، وتمارس عليه ذات التعبئة الاجتماعية والدينية والسياسية عبر المناهج الدراسية والقنوات الإعلامية والمنابر الدينية والوصاية الاجتماعية، إلا أنه يحمل في جوفه فجوة واسعة في توحد القيم، وهذا ما لاحظته عبر انقسام المجتمع على قضايا مثل حق التعبير، وأهمية العمل، وحقوق المرأة، وقيمة الأفراد مقابل قيمة القبيلة، وغيرها من القضايا في موقع التواصل الاجتماعي توتير، ولا يعتبر هذا الاختلاف محدوداً أو ناشزاً بل يشكل القاعدة في التناول في المملكة.

طيب، قد يسأل البعض ما العيب في ذلك؟ أو أين تكمن الخطورة في أن يكون المجتمع خالياً من قيم مشتركة أو منقسماً كثيراً حولها؟ الجواب، هو أن تباين الآراء أو غياب تلك الأرضية الفكرية المشتركة يعطل التنمية ويقلل من تأثير خطط التغيير والتطوير التي تقرها الحكومة، ويعدم الشهية لتحقيقها، ويجعل المجتمع يدمن الجدل بدل العمل، ويسير بخطى مناقضة لروح العصر وطاقته ومتطلباته، كما أنه ينشر شعوراً عاماً بالسخط وعدم الرضى الشعبي.

الحل يكمن في دراسة هذا الواقع الاجتماعي، ومحاولة إيجاد مداخل جديدة لتعبئة قيم اجتماعية مثمرة وإيجابية، عبر وسائل متعددة أهمها التعليم -خصوصاً في مراحله المبكرة- والقانون الذي من المفترض أن يكرس تلك القيم ويدعم استمراريتها. قد يحتاج الأمر لوقت طويل ولكن النتائج والمخرجات تستحق عناء التخطيط وانتظار الحصاد.

Twitter:@lubnaalkhamis

مقالات أخرى للكاتب