13-10-2014

عن مصطلح التطرف السلفي..

تلقيت اتصالاً من شخصية مهتمة بقضايا التطرف الديني المعاصر، وأبدى اعتراضه على استخدامي لمصطلح التطرف السلفي في أحد مقالاتي السابقة، وأن هؤلاء خوارج يكفرون أصحاب الكبائر، وهم امتداد لتلك الفئة التي خرجت في الفتنة الأولى وكفرت بعض الصحابة على أنهم اقترفوا كبيرة القتل المتعمد، وذلك استناداً للحكم القرآني {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]»..

وقد كان ذلك مدخلاً لما يُطلق عليه بعلم الكلام، وخروج مناهج عقدية تقدم مواقف مختلفة في حكم فاعل الكبيرة، فمنهم من قال كافراً كالخوارج، وقال المعتزلة فاسقاً، وقال الحنابلة بأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وكان مضمون الخلاف سياسياً، ويدور حول شرعية الإمام الذي يفعل الكبائر مثل القتل وغيرها، وهل تجوز ولايته وطاعته، وباختصار، ما حدث في الفتنة الأولى كان مصدر استنكاره أن تكفير المسلم للمسلم لم يحدث من قبل، سواء في عهد الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم أو في عهد خلفائه الراشدين..

لذلك ما يحدث في الوقت المعاصر من تكفير قد يختلف في نسقه ومضمونه عما حدث في صدر الإسلام، ولكن قد يكون حالة متقدمة جداً عن زمن الفتنة الكبرى، وذلك لأن العقل المسلم قد تلوث كثيراً بداء التكفير، وأصبح بعد أربعة عشر قرناً سلاحاً فتاكاً في زمن القتال والأزمات السياسية، كما أصبح أداة للتسلط على عقول الناس وإرهابهم، ولن أحتاج إلى أدلة كثيرة، فالتاريخ السياسي والاجتماعي يحفل بوباء للتكفير لم يحصل له مثيل في تاريخ المسلمين، ويعد سلاحه أشد فتكاً من أي سلاح آخر..

وقد وصلت بعض تأثيراته للزمن المعاصر، فقد كان بعض شيوخ السلفية المعاصرة يستخدمه في بعض الأحيان للتعبير عن اختلافه مع الآخر، كما حدث في تكفير من أباح الاختلاط، وتكفير ملاك القنوات التلفزيونية، وجواز قتلهم، وفتوى تكفير الليبراليين أو من يعتقد أنهم كذلك، وظهرت فتاوى تكفير كتّاب محددين بأسمائهم ، وفتوى تكفير القوانين..

ووصل الأمر إلى تكفير من يقول ببعض الظواهر الطبيعية مثل دوران الأرض، وفي زمن الخلافات السياسية تم تكفير زعماء سياسيين، مثل صدام حسين، والمفارقة أنه أصبح في الوقت الحاضر بطلاً في نظرهم، وكذلك فتوى تكفر الأخوان، وفتوى أخرى قديمة نسبياً تعتبرهم أقرب إلى الجماعات للسنة، وغيرها من الأمثلة التي لا يمكن حصرها في هذه العجالة، واخترت بموضوعية أن لا أذكر أسماء المفتين.

ولا يخفى على القارئ أن التكفير يعني إهدار دم المُكفر، وتشريع جواز قتله، وقد قادت تلك المقدمات التي لها جذور في السلفية المعاصرة إلى ظهور جماعات تكفيرية، وتمارس القتل باسم الله عز وجل، ولا يمكن بأي حال أن أقلل من تأثير بعض الأفكار المهاجرة من الخارج، والتي كان لها أيضاً أدوار في صياغة الفكر الجهادي التكفيري، ولكن ذلك لا يعني أنه لا وجود لتطرف سلفي، فالأحداث والتاريخ المعاصر يشهدان بذلك..

في نهاية الأمر لابد أن نواجه حقيقة وجود تطرف سلفي، وأن بعض الأحكام التكفيرية كان مصدراً لتطرف بعض الشباب، واندفاعهم في الداخل والخارج في قتال الكفار، وأن بعض القرارات في السابق قد ساهمت في إطلاق مثل هذا الفكر بعد ما كان كامناً لعشرات العقود منذ فتنة الإخوان في القرن الماضي، وأن كثيراً من الفرص قد ضاعت من أجل صهر قدرات هؤلاء الشباب في المصانع والشركات الكبرى بدلاً من احتراقهم وفنائهم في معارك ضد المجهول.

مقالات أخرى للكاتب