22-09-2014

عن التطرف السلفي والاستبداد والنرجسية..

شاهدت فيلماًَ تلفزيونياً أعدته قناة تلفزيونية غربية عن دولة داعش، والتي تمثل أحد وجوه التطرف السلفي في الزمن المعاصر، وكانت مظاهر العنف ظاهرة في مشاهد وأفعال وأقوال الذين ظهروا في البرنامج، كان من أبرزها سيارة الهيئة أو الحسبة كما يطلقون عليها، وكان أعضاؤها يتجولون في الشوارع والأسواق بالرشاشات لفرض غطاء المرأه وإغلاق المحالات، وتطبيق التعاليم الدينية الحادة التطرف. لكن ما لفت انتباهي في حوارات البرنامج مع أعضاء التنظيم، تلك النرجسية والغرور الذي يصل إلى حد الطغيان والانتحار..

كان ذلك ظاهراً في تجوالهم في الشوارع بالخيول حاملين السيوف والأسلحة، وقطعهم للوعود برفع رايتهم على مبنى البيت الأبيض، والحرب في كل اتجاه من أجل إلغاء الحدود، وإسقاط الدول الواحدة تلو الأخرى. وأستغرب كيف يغيب عن وعيهم السياسي أنهم مجرد أرقام على هامش الحضارة، والدليل أن جميع مقتنياتهم الشخصية وأسلحتهم وسياراتهم ووسائل اتصالاتهم يصنعها العدو الذي يريدون أن يفرضوا عليه إما الإسلام أو الجزية أو القتال، وأن منتجهم الوحيد هو تلك الأفكار المتطرفة، والنرجسية التي يغررون بها المراهقين والجهلة..

النرجسية تعني الإعجاب بالنفس لحد الهوس، وهو اضطراب في الشخصية حين تتسم بالغرور، والتعالي، والشعور بالأهمية. والنرجسيون لديهم توقعات غير معقولة من معاملة تبجيلية خاصة من الآخرين، لأنهم يعتبرون أنفسهم الخاصة والطبقة النقية، ويعتبرون عدم الامتثال لهم هجوماً على تفوقهم، ويمكن أن تتخذ النرجسية أشكالاً كثيرة، ولكن دائماً ما تنطوي على استغلال الآخرين دون اعتبار لمشاعرهم أو مصالحهم، والشخص الآخر مجبر أن يكون في موقف الخنوع لهم، كما أنهم لا يعترفون أن لديهم حدوداً، ويعتبرون وجود الآخرين إما لتلبية احتياجاتهم أو لا حاجة لوجودهم، والنرجسية بما فيها من كبرياء واستعلاء على الآخرين هي روح الشخصية المستبدة، التي تستمع بفرض أفكارها بسفح الدماء..

ولا تنفرد داعش أو الجماعات المتطرفة بخاصية الغطرسة أو النرجسية، ولكنها سمة غالية بين بعض العرب في العصر الحاضر، ولكن تختلف درجاتها من فئة لأخرى، فهم ما زالوا يعتقدون أنهم سادة الأمم والأحق بالسيادة والسلطة والجاه، برغم من مرور أكثر من ستة قرون على زوال حضاراتهم، فقد استخدمها القوميون العرب في الستينات، وتظهر على الطبقات المستبدة بالأمر، وكانت عواقبها كارثية كما كانت في الستينيات، ثم جاء الإسلاميون يبررون لتلك النكسة النرجسية ببعد القومية عن العقيدة والمنهج الصحيح، وكان صدى ذلك أن زادت معدلات الشعور الفوقي الفارغ - إن صح التعبير - بين أولئك الذين يتلبسون بمظاهر التدين بحسب الإرث الإسلامي السلفي، وقد يصل في كثير من الأحيان لدرجة لا تُطاق.

يسهم التعليم في نفخ عقول التلاميذ بتعليم نظري خالص، ولا يعلمهم تجارب الحياة والتواضع أمام قدرات الآخرين، واحترام الاختلاف، وإن كانوا مختلفين في عقائدهم، ولكن يكرس في عقولهم أنهم الحق المطلق الذي يسمو على كل شيء، وأنهم سادة العالم والأحق بخلافة الله فيه، وإن كانوا ظالمين في حق الآخرين، مثلما ظهرت الجثث المقطوعة الرؤوس في شوارع المدينة في الفيلم الوثائقي، وكما ظهر الأتباع والأطفال منتشين بالمشاهد المؤلمة، برغم من أنهم يدركون في وعيهم السياسي، بأن التنطع بالدين يؤدي إلى التهلكة، ولا تقوم عليه الدول، لأن الله عز وجل ينصر الأمة الكافرة إذا حكمت بالعدل، ولا ينصر الأمة المسلمة إن حكمت بالظلم.

الفخر والغطرسة والنرجسية لم يعد لها مكان في هذا العصر، والفاشية والنازية فقدت مصداقياتها، لأنه لا يوجد إنسان أنقى أو أفضل بسبب عرقه أو أفكاره المتطرفة، ولكن يوجد إنسان أفضل بأخلاقه واحترامه لحقوق البشر ولقدراته ومحدودية إمكانياته، ولو كان هناك سباق بين الأمم لاستحقت كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة المقدمة، ولحق لهم أن يظهروا الغطرسة والنرجسية، فما حققوه من نجاحات في التعليم والاقتصاد وحقوق الإنسان والرخاء يُشار له البنان، ويستحقون عليه مختلف أوسمة العصر، لكنهم فضلوا السكوت والتواضع الجم، لأنهم يدركون أن الحفاظ على القمة أصعب من الصعود إليها، والله المستعان.

مقالات أخرى للكاتب