08-09-2014

الخصم والحكم في سوق الأسهم..

يمر سوق الأسهم في هذه الأيام في حالة صعود عمودي، وفي ظل ارتفاع لأسعار بعض الأسهم فوق مستوياتها المعقولة، ويشعر بعض المستثمرين المواطنين بحالة «ديجافو»، أو (Déjà vu)، وهو مصطلح فرنسي مشهور في عالم الطب وغيره، ويعني حرفياً «رأيته قبل»، وهي ظاهرة وجود إحساس قوي عند الإنسان بأن التجربة أو الحدث الذي يشهده المرء حالياً قد شهده في الماضي، ويخالجه خوف وشك إن كان ذلك قد حدث أم لا..

مرت أكثر من سبعة أعوام على كابوس كارثة الانهيار الكبير لسوق الأسهم في عام 2006، والذي راح ضحيتها مدخرات نسبة عالية من المواطنين لعشر سنوات مضت، وبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية نحو 2 تريليون ريال، في حراك كان أشبه بأكبر عملية تدوير للأموال، بعد أن فقد نسبة مرتفعه من المواطنين مدخراتهم لمصلحة محافظ ومؤسسات مجهولة، وذلك بسبب انعدام الشفافية في السوق، وبسبب غياب المحاسبة للمتلاعبين بسوق الأسهم، أياً كانت مكانتهم أو مرجعيتهم، وها هو يعود مرة أخرى للارتفاع، ويقترب قليلاً من اختراق حاجز الأسعار المعقولة للأسهم ذات العوائد..

في عام 2006 أعاد بعض خبراء الأسهم أن الانهيار في سوق المال الذي حصل عام 2006، كان بسبب سياسات حكومية خاطئة، وأن هيئة سوق المال مع مؤسسة النقد ووزارة المالية يتحملان المسؤولية، وأوضح المستثمر خالد الشثري في مقابلة له مع قناة العربيه أن وزارة المالية أسهمت بذلك من خلال بيعها حصصاً لها من الأسهم، وأما مؤسسة النقد فتتحمل جزءاً من المسؤولية، وذلك عندما صرح المحافظ قبل السقوط المريع، بأن السوق لا يمكن أن يسقط وينهار لأنه محافَظ عليها، ولكنه سقط وانهار.

هذا، بالإضافة لصمت المؤسسات الرسمية المتمثلة بهيئة سوق المال ومؤسسة النقد ووزارة المالية ووزارة التجارة تجاه حالة الصعود الحادة ثم الانهيار الكارثي، والتي أسهمت بدور غير مباشر فيما حدث، بسبب عزوف هذه المؤسسات عن توجيه السوق وعمل التحذيرات اللازمة للحد من صعود المؤشر، كذلك غياب هيئة حكومية مستقلة تعمل كصانع للسوق، بالإضافة إلى دخول صناديق الاستثمارات العامة والتقاعد والتأمينات من أجل الربح المادي المجزي، وقد تكون حرصت لتحصيل مكاسبها من جيوب مدخرات المواطنين قبل الانهيار، ولا أجزم بذلك ولكن غياب المهنية والشفافيه والمحاسبة ما زال يلف ذلك الملف بغموض قاتم.

وكان وزير المالية قد رفض التعليق على انهيار سوق الأسهم في خبر صحفي عن حوار أجرته قناة الإخبارية، وورد في جريدة الرياض في 23 ديسمبر 2006م - العدد 14061، وكرر في تصريح آخر لجريدة الرياض 14 مارس 2006م - العدد 13777 أنه لا صحة لما تردد عن عزم الدولة التدخل في سوق الأسهم المحلي من خلال صناديق الاستثمارات العامة أو التقاعد أو التأمينات لإيقاف نزيف المؤشر، واستمرت عملية الحصاد المر لأموال المواطنين في مشهد مأساوي لن يُنسى.

وفي تاريخ 5 مارس 2011م، العدد 15594 من جريدة الرياض، أوضح معالي وزير المالية أن المؤسسة العامة للتقاعد في المملكة دخلت في سوق الأسهم السعودية، ونفذت عمليات شراء قبل أسبوع، مشيراً إلى أن أسعار الأسهم أصبحت مغرية للشراء، وأضاف «إشتريت من مدخراتي الشخصية لثقتي في الاقتصاد.»!!

وفي 18 مارس 2011م - العدد 15607 من الجريدة نفسها - أيضاً - كشفت قوائم كبار الملاك في سوق الأسهم خلال الأسبوعين الماضيين، قيام الصناديق الحكومية التابعة للمؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتقاعد، بضخ مبالغ جديدة في سوق الأسهم تركزت على شراء أسهم العوائد والشركات الاستثمارية، وفي 27 يناير 2013م، العدد 1628 من الجريدة نفسها صرح وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف أن شركة سنابل باشرت فعلياً الاستثمار في الأسواق الداخلية والخارجية، كما أنها دخلت باستثمارات في سوق الأسهم المحلية.

من خلال التجربة المريرة السابق، يتضح للجميع أن الحلقة الأضعف في سوق الأسهم هو المواطن، والذي لا يستطيع أن يرى الصورة الكاملة، وذلك بسبب تداخل المصالح العامة للمحافظ الحكومية مع مصالح محافظ خاصة لديها القدرة في رؤية تلك الصورة بسبب قربها من صناع القرار أو لأسباب نفوذها في الحكومة، والآن وبعد ظهور بوادر صعود للسوق في اتجاه للتغريد خارج أسعاره المعقولة، من سيحمي مدخرات المواطن من السرقة مرة أخرى..؟!

لكن التساؤل الأهم: هل سيحدث انهيار كارثي آخر بعد سنوات؟، وهل ستبحث المحافظ الرسمية مرة أخرى عن تحصيل مكاسبها من جيوب المستثمرين الصغار في لحظة الصفر المنتظرة، وهل سيستمر تلاعب الشخصيات المتنفذة بالسوق، في ظل غياب قوة قانونية مؤثره تفرض إرادتها على الجميع بدون استثناء؟ وأخيراً هل من الممكن أن يعرف المواطن بكل شفافية من معالي وزير المالية عن قراره الشخصي القادم لبيع الأسهم التي اشتراها من مدخراته الشخصية قبل أربع سنوات، بعد أن أعلن عن شرائها في الإعلام، أم سنظل نردد بحسرة شطر المتنبي الشهير، فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!..، والله المستعان.

مقالات أخرى للكاتب