18-09-2014

لماذا تغيب الأخلاق عن السياسة الأمريكية في المنطقة العربية؟

من أجل معرفة الموقف الأمريكي في سورية، لا بد من الرجوع إلى زمن الغزو السوفيتي لأفغانستان، وإلى الدور الأمريكي في طرد السوفييت من الأرض الأفغانية، وقد كان محور العمل السري الأمريكي في تلك المرحلة عن كيفية إمداد الأفغان بأسلحة مضادة للمروحيات السوفيتية، التي كان تتفوق بها على المجاهدين.

كان الحل في الدور الذي قاده الرائد تشارلز ويلسون في الكونغرس في دعم عملية الإعصار، وهي أكبر عملية لوكالة الاستخبارات المركزية السرية من أي وقت مضى، زودت المجاهدين الأفغان بالمعدات العسكرية الضرورية لإيقاف الهجوم السوفيتي، بما في ذلك الأسلحة المضادة للطائرات مثل صواريخ مضادة للطائرات ستينغر وغيرها.

وقد قام الرائد ويلسون بحملة إنسانية كبيرة في داخل وخارج الولايات المتحدة من أجل إنقاذ الأفغان من التهجير والموت، كذلك قامت الولايات المتحدة بنفس الدور الأخلاقي في إنقاذ البوسنة من مذابح الصرب، وكان شعار تلك الحرب إنسانياً، وقد نال زعماء الصرب العقاب بسبب ما اقترفوه من جرائم إنسانية بشعة.

لكن تلك المواقف الإنسانية اختفت تماماً في سورية، بعد أن وصل رقم ضحايا النظام السوري إلى مائتي ألف مواطن سوري بسبب فسح المجال الجوي لطائرات النظام بالتحليق وقتل الأبرياء بالقنابل والبراميل المتفجرة وبالسلاح الكيماوي، ورغم نداءات المعارضة السورية لتزويدهم بمضادات للطائرات، لم تستجب الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

في ظل الموقف الأمريكي لم يعد يخفى على أحد، أن الغرب يريد استمرار النظام في دمشق، وهو ما يثير كثيراً من الأسئلة عن أخلاقية النظام السياسي الأمريكي، ولماذا انتصر للأفغان والبوسنة، وخذل الشعب السوري الأعزل، في حين استشاط غضباً لما يحدث في العراق بعد صعود الحركة المتطرفة داعش، التي لازالت محل اختلاف عن ماهيتها، وهل هي ثورة إسلامية متطرفة، أم صنيعة استخبارتية لتبرير عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة، وساهم نشر مقاطع لذبح أمريكيين وبريطاني في تبرير الغزو الغربي الجديد للمنطقة.

بعد انسحاب السوفييت من أفغانستان، حذر الرجل الاستخبارتي تشارلز ويلسون من ارتداد الوضع الأفغاني ضد الولايات المتحدة، وطالب بالقيام بدور حضاري لمساعدة الأفغان في بناء دولتهم الحديثة، لكن الأمريكان قرروا الرحيل، وكانت النتيجة طالبان والقاعدة، وبدء الإرهاب السياسي والعسكري ضد أمريكا.

لم تتعلم السياسة الأمريكية الدرس في العراق، وخلًفت نظاماً طائفياً في البلاد، كان من نتائجه ما يحدث من عنف وتفجيرات وإرهاب، وربما كان ذلك عن تخطيط سابق من أجل إنتاج ذرائع لعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة، والأحداث الحالية تؤكد ذلك، وعلى هامش هذه الأحداث تظهر تساؤلات عديدة عما يحدث في المنطقة.

من أهمها لماذا تغيب الأخلاقيات الأمريكية في الشرق الأوسط، ولماذا تبرز خارجه كما حدث في البوسنة والحرب الأفغانية السوفيتية؟! ولماذا تغض النظر تماماً عما يقوم به بشار الأسد من جرائم فظيعة في حق شعبه، وقد لا نحتاج إلى جهد، فالإجابة عن ذلك لن تخلو من وضع دولة إسرائيل في المنطقة، التي كانت صنيعة غربية غير أخلاقية في فلسطين، وقامت بأبشع الجرائم في حق شعب أعزل، ولم يتحرك الضمير الأمريكي في إنقاذهم من حروب الإبادة العنصرية.

لهذا السبب تغيب الأخلاق الإنسانية من المواقف الأمريكية في المنطقة، وتحضر الغطرسة الأمريكية بكامل زينتها، وتظهر الرغبة في استمرار حالة العداء ضد الغرب بين الشعوب العربية، ولو حضرت الأخلاقيات في المواقف الأمريكية لخرجت العراق من الطائفية السياسية، ومن التبعية لدولة إيران المتطرفة، ولوصلت الجهود السياسية إلى حل سلمي وأخلاقي للقضية الفلسطينية.

مقالات أخرى للكاتب