11-09-2014

الكهنوت والإسلام السياسي

هاجم الداعية الإعلامي محمد العريفي منتقدي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كتاب الرأي بالصحف المحلية، مبديًا استياءه من تسليطهم الضوء على سلبيات الهيئة دون الالتفات للمخاطر الأخرى المحيطة بالوطن، وتساءل العريفي في تغريدة كتبها مساء الأربعاء (3 سبتمبر 2014) إن كان هؤلاء الكتاب وطنيين بالفعل، أم أن لديهم مشكلة مع الإسلام؟

وكأنه بذلك يعيد إنتاج الكهنوتية في الإسلام، الذي نزل ليحارب الشرك وتقديس الأحبار، و يرفض تنزيه رجال الدين وغيرهم من الأخطاء، وما ذكره العريفي يضع بعض النقاط على كثير من الحروف في تعريف الإسلام السياسي، وهو مصطلح يتردد كثيراً في الإعلام، ولكن ربما يخفى على الكثير ما يعني..

لعل ما طالب به العريفي يوضح ذلك الجانب، وهو محاولة لتنزيه رجال الدين من النقد، وأخذ أعمالهم على أنها الحق المبين، وبالتالي ينطبق ذلك على رجال الدين الذين يشتغلون بالسياسة مثل العريفي وغيره، على أن من يخالفهم لديه مشكلة مع الإسلام، ويظهر ذلك في تغريدته عندما اتهم الأقلام التي انتقدت بعض تصرفات رجال الهيئة بأن عندهم مشكلة مع الإسلام!

الكهنوتية لفظ معرّب، وفاعله هو كاهن، يُصلّيَ بالناس، ويدعي صلة كلمته بالله تعالى، ثمّ توسّعت هذه الصلاحيّة فصار واسطة الخلق إلى الله، وبه وحده تصل كلمة الله إلى عباده، ثم تطورت إلى أن لا توبة من ذنب ما لم تمرّ عبره، وهو قريب من اعتقاد المشركين في الأصنام يوم عبدوها، (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) الزمر3.

ما نفهمه من غضب العريفي من نقد الممارسات الخاطئة عند بعض رجال الهيئة هو رفع لمستوى قدسية الذين يتحدثون باسم الله تعالى، وإن كانت ممارستهم لا تجيزها الشريعة، ويدخل في ذلك تنزيه أفعالهم من النقد الإنساني، من أجل منحهم مزيداً من السلطة والتسلط ضد المجتمع، وذلك هو لب ما يُطلق عليه بالإسلام السياسي، وهو مدخل صريح للكهنوتية في الدين القويم، مقدمته التفرقة بين فئات المجتمع على أساس ديني.

رموز الإسلام السياسي في التاريخ المعاصر استغلوا كثيراً مقولة «الموقعين عن رب العالمين»، وذلك عندما قدموا أنفسهم كرجال يتميزون بخاصية التوقيع عن الله عز وجل، وهو ما فتح باباً للكهنوتية في عالم المسلمين المعاصر، وذلك حين يقدم بعضهم أنهم يتميزون عن الآخرين بقربهم من الله عز وجل، وباحتكارهم خاصية فهم كلماته عز وجل..

برغم من أن الكتاب الشهير كان يحاول وضع تصور للعلماء المؤهلين لوضع الاجتهادت القويمة في الأمور المستجدة، وإخراج المتعصب بالهوى والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء، ويعادل ذلك رجال القانون المؤهلين في الزمن المعاصر، الذين لديهم العلم و القدرة والإمكانية على تحري العدالة في الإصدارات القانونية الجديدة.

لذلك عندما يربط محمد العريفي نقد موظفين، هيئتهم دينية، ويعملون مقابل أجر مادي في مؤسسة رسمية، بالتعدي على الإسلام، فذلك أمر غير مقبول، وفيه دعوة ضمنية لوضع هالة قدسية على كل من يتحدث مع الناس من خلال هيئة دينية أو وعظ ديني، وهو ما يعني تشكيل طبقة دينية خارج النقد، وهو ما يُعرف بالكهنوت في تاريخ الأديان، والإسلام في نصوصه الصريحة ضد الأحبار والكهان الذين يعتقدون أنهم أقرب لله تعالى من الآخرين.

ختاماً، النقد مسؤولية اجتماعية ملقاة على الجميع، ومن مهام المجتمع السوي أن يقوّم أخطاءه، وأن يمارس ذلك الحق بدون إساءة شخصية للآخرين، ومن أجل إدراك الفارق بين الإسلام السوي وبين الإسلام السياسي، نحتاج إلى إعادة قراءة الخطبة الشهيره للخليفة أبي بكر رضي الله عنه عندما قال: إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني؛ وإن أسأت فقوموني..، والله المستعان.

مقالات أخرى للكاتب