16-10-2014

من يدفع ثمن الأخطاء؟

عندما تقع إحدى الحوادث في مكان ما، وخصوصاً تلك التي تحدث بسبب الإهمال أو التقصير في بعض الجوانب، فإننا نجد أن هناك تعاطفاً كبيراً من قِبل المجتمع تجاه الضحية، إضافة إلى وجود غضب وانزعاج ومطالبة بمحاسبة الجهات التي كانت وراء ذلك الإهمال أو التقصير والذي ساهم في وقوع تلك الحادثة.

في المقابل، فإننا نجد بأن المجتمع بأجمعه ومن مختلف المناطق يبدأ في التحذير من قضايا مشابهة ويعمد إلى تنبيه المسؤولين بأن الأسباب التي أدت إلى وقوع تلك الحادثة هي نفسها موجودة في جهات أخرى، مما قد يؤدي إلى تكرار المأساة، وعلى الرغم من أن هذا الدور يجب أن يتم من خلال الجهات المسؤولة، إلا أنه كان من الممكن أن لا يحدث لولا وقوع تلك الحادثة وذهاب ضحايا دفعت الثمن مقابل تنبيه الناس لذلك الخطر.

حادثة حفرة الصرف الصحي التي وقعت مؤخراً في جدة وذهب ضحيتها طفلٌ وأبوه - رحمة الله عليهما - وألهم ذويهما الصبر والسلوان، هي نموذج لمن يدفع ثمن الإهمال والتقصير في جانب الحفر الموجودة في الشوارع سواء كانت تلك الحفر هي لمشاريع صرف صحي أو مياه أو غيرها من المشاريع التنموية والتي نجدها اليوم في العديد من مدن المملكة، وعلى الرغم من أنها مشاريع يتمناها المواطن إلا أن كثيراً منها لا يُنفذ بالطريقة المثالية، فبدلاً من أن تكون تلك المشاريع نعمة لراحة الأفراد، فإن بعضها يكون نقمة ومصيدة لحصد أرواحهم، ومع عظم هذا الثمن المدفوع والمتمثل في ذهاب ضحيتين من أبناء هذا الوطن، إلا أن هذا الثمن الباهظ والذي لا يمكن أن يعوّض ساهم في إيقاظ باقي أفراد المجتمع، فأصبح كل فرد يرى حفرة يصوِّرها ويحذِّر منها ويقوم بإرسالها عبر وسائل التواصل الاجتماعية لأخذ اللازم اتجاهها، بل إن بعض الجهات الحكومية قامت وعبر مواقعها الإلكترونية بدعوة الناس للإبلاغ عن أي حفرة يجدونها في الشارع ولا تتوفر فيها عوامل السلامة.

قبل عدة سنوات توفيت الطفلتان مسرة وميسرة نتيجة قيام بعض السكان باستخدام مادة الفوسفين كمبيد حشري في المنازل، ومادة هذه المبيد هي مادة سامة تتفاعل مع الرطوبة وتنتشر بسهولة، ويكفي غرامٌ منه لقتل طفل على الأقل وبعد وقوع عدد من الحوادث تم حظر بيع هذه المادة وتم التعميم من الجهات المختصة بالإبلاغ بمن يقوم ببيع هذه المادة.

إن أسلوب معالجة كثير من القضايا يحتاج إلى تغيير فوري، فنحن ننتظر إلى أن تقع حادثة ويكون هناك ضحايا يدفعون ثمن تلك الحوادث، ثم تأتي بعدها إجراءات الوقاية وردود الفعل للعمل على عدم تكرار تلك الحوادث مستقبلاً، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من الملاحظات على بعض الطرق وفي بعض المستشفيات وغيرها من الجهات الحكومية، وهناك الكثير من الإهمال خلال تنفيذ بعض المشاريع سواء من خلال التمديدات أو الحفر أو كوابل الكهرباء أو غيرها من الأعمال والتي قد يُؤدي إبقاؤها بوضعها الحالي إلى وقوع حوادث قاتلة، ومع ذلك لا يكون هناك أي تحرك، وكأننا في انتظار وقوع ضحية تدفع الثمن لكي نتحرك.

إننا كمسؤولين وكأفراد مؤتمنون على هذا الوطن، ويجب أن يقوم كلٌ منا بدوره وعلى الرغم من أن المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على المسؤول، إلا أن واجبنا كأفراد أيضاً أن نؤدي دورنا بالإبلاغ - وبعد التأكد وتوفر الحقائق - عن كل ما يساهم في إصلاح مجتمعنا وتنميته والمحافظة على مكتسباته وفي مقدمتها أرواح أبنائه والذين هم رأس المال الحقيقي لهذا الوطن.

مقالات أخرى للكاتب