02-11-2014

التطرف هل هو نتاج الضياع؟

على ضوء حادثة أوتاوا - عاصمة كندا- والتي حاول فيها أحدهم اقتحام البرلمان الكندي وتسبب في موت جندي قبل أن يتم إرداؤه قتيلاً من قبل حرس البرلمان، عاد النقاش في هذه العاصمة الوادعة حول ما يسمى بعنف الجماعات الإسلامية وتطرفها. بدا واضحاً بأن ذلك التصرف كان فردياً وتقبله المجتمع الكندي على هذا الاساس، رغم محاولة الإعلام الأمريكي (النفخ) في الموضوع و ربطه بالجماعات الإسلامية الشرق أوسطية. المعتدي كان كندياً عانى في حياته من التشرد وقبض عليه سابقاً في قضايا مخدرات وقبل الاعتداء كان يسكن (شيلتر) أو ملجأ المشردين الذين لا سكن لهم. ما ربطه بالإسلام هو الادعاء بأنه تحول للإسلام قبل فترة ليست بالبعيدة ولبسه للزي العربي المتمثل في الكوفية الفلسطينية التي غطى بها وجهه كما ظهر في الصور.

الملفت في الموضوع هو الخلفية المتعلقة بحياة الشاب وسؤال عريض يحتاج إلى بحث دقيق من قبل المهتمين، عن خلفية هؤلاء المتشددين أو المتطرفين دينياً، وفي موضوعنا إسلامياً. هل صحيح أن المتشدد والمتطرف ذو خلفية غير سوية؟ أو كما يقولون بالعامية داشر سابق؟ جميل أن يصبح الدين ملاذ الخائفين وسبيل توبة المفسدين الباحثين عن طريق الحق، لكن لماذا ينتقلون من الضياع والتشرد إلى التطرف الديني؟ هل أصل التطرف بكافة أنواعه هو الفراغ والبطالة والعوز وفقدان الأمل في مستقبل مشرق؟ بمعنى آخر هل هو التدين أو الدين أصل المشكلة أم هي المشاكل الاجتماعية والسلوكية والتربوية السابقة لذلك؟ هل علاج البطالة وتجويد التربية وتحسين الظروف الاقتصادية سيقود للاعتدال؟ أم أن التشدد بذرة جينية تعتمد على من يوجهها ويستفيد منها؟

ليس ذلك فقط، بل هناك أسئلة أخرى؛ لماذا المتحولون للإسلام أو بعض العناصر الإسلامية - القليلة مقارنة بحجم وأعداد المسلمين في العالم- يتجهون منحى التطرف وليس المنتمين للأديان الأخرى؟ بل لنكن أكثر دقة، لماذا المتحولون لبعض المذاهب الإسلامية يسلكون هذا التوجه؟ هل لأن تلك المذاهب تعتمد على إيدلوجية العنف أو أيدلوجية خلق العدو وتنمية شعور القوة بإيذاء الآخرين المختلفين معها؟

قد يرى البعض أنني أتحدث عن المتحولين وكأن جميع المتطرفين حديثو عهد بالإسلام ولم ينشأوا في بيئات إسلامية. الواقع أنه وبالرغم من عيش البعض وسط بيئة إسلامية إلا أنه لا يشعر بالانتماء أو يشعر بأنه أذنب وخرج عن الدين، فينقلب فجأة إلى متدين متشدد وكأنه متحول متحمس يبالغ في إثبات تدينه وتوبته.

نعم هو لا يحول من دين آخر، في العلن، لكنه يتحول من الشك واللامبالاة إلى التمسك المتشدد وفق توجهات المنهج أو المذهب الذي ينتمي إليه. يتحول وكله حماس لأن يفعل شيئاً قوياً ، لايبالي برد فعل الآخرين بقدر ما يركز هدفه على تفاصيل صغيرة يعتقد أنها أصل الشرور ومنبع الإساءة للدين سواء من أهله أو من خارجه. هي حالة سلوكية يبحث فيها المتطرف الانتقال من الضعف إلى القوة، من ضياع الهدف إلى بلوغ الهدف الاسمى، من الإهمال الاجتماعي إلى التقدير الذي يحصل عليه من مجتمعه الجديد.

هي مقاصد الحياة الطبيعية البحث عن الشعور بالانتماء والتقدير والإحساس بالأهمية وبحمل رسالة أو هدف في هذه الحياة. الجميع ينشد هذه المقاصد، وهؤلاء الشباب المتطرفون عندما لا يجدونها في مكان آخر فإنهم يلجأون للجماعات التي تمنحهم شيئاً من ذلك، حتى ولو كان بعضه وهمياً. وتزداد فرص جذبهم وتجنيدهم عندما تكون نشأتهم بنيت على التفكير الأحادي غير النقدي وغير المنفتح على تقبل الاختلاف والتنوع والتفكر.

malkhazim@hotmail.com

لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm

مقالات أخرى للكاتب