24-11-2014

إني أغرق.. أغرق..!!

حفر سيول وحفر صرف صحي, وما بينهما «الموت» نحن شعب حضاري نحفر قبورنا بأيدينا, وكأننا نريد أن نتخلص من مسألة التعداد السكاني. ضاق بعضنا ببعض ولم تعد هناك لازمة للكثير من المواطنين لوجودهم أحياء وما يشكلونه من أعباء في المعيشة والسكن.. لذلك يجب أن نحد من النسل حتى لا يموت أطفالنا بغرق سيل أو حفرة صرف صحي. والحل الأمثل هو منع النساء اللاتي ينجبن بمثل الأرانب بدفع رباعي من الرجال. لنقول إذا ما التزمن بتقليل النسل فإن مصير أبنائكن ورجالكن الموت, فالغرق والحفر أمامكم والصراخ والندم وراءكم. فكونوا على أهبة استعداد حينما تفقدون ابنا لكم, لا سمح الله» وقع بحفره تركتها شركة بغياب الرقيب. أو سيل على غره داهم المدينة والتهم الصغير قبل الكبير.. دون ردم حفرة ودون سد سياجي منيع لدرء الناس من الغرق, وطالما عجزنا عن سد ثغرات الموت ما علينا إلا أن نعلق لوحة تحذيرية على أبواب المنازل تقول (احذر الطريق يا صديق الموت أمامك).

هكذا أضحت حياة الإنسان رخيصة لهذا الحد المزري, من الإهمال المتعمد. ونحن نسمع ونقرأ قصص يشيب لها الولدان, من الغرق بسيول والسقوط بحفر.. وكأن الأمر لا يعنينا. وما على كل عائلة افتقدت ابنها أو أباها. ما عليها إلا إقامة مراسم العزاء, والصبر والسلوان.

إنه الموت بالتقسيط المريح. فما على المواطن إلا أن يحدد نوعية الطريقة التي يود الموت من خلالها, بسيل جارف أو بحفرة ذارفة بالوحل. يا لها من مهزلة واستهانة بالأرواح البشرية.

الموت اليوم صار أقرب من حبل الوريد.. بحادث سيارة، بسيل جارف، بحفرة. تنوعت الأسباب والموت واحد. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على رداءة البيئة والإهمال تهاونا بروح الإنسان. فكان الإنسان يموت بالحروب والأمراض. نحن اختصرنا الطريق السريع - للموت - والأعمار بيد الله- نتيجته إهمالنا وفشل القائمين على شؤون البيئة هذا إذا كان لدينا إدارة تعني بالبيئة وغير المنظورة على أرض الواقع!!

في الدول الغربية المتحضرة.. لو حصل لمواطن بالشارع أي عثرة قدم برصيف غير مطابق لمواصفات العمل الهندسي الكافل لسلامة المواطن, وحصل ثمة خطأ بسيط لمواطن فإن من حق المواطن رفع قضية على الجهة المتسببة بضرره, فله سيكسب القضية ويتلقى التعويض الملزم للشركة المنفذة.

في البلاد العربية لا يهمها سلامة مواطنها غرق بسيل وقع بحفره. أما التعويض عما أصابه من ضرر- فيشرب من البحر- ونحن جزء من هذه الأمة العربية.. فلو تقدم مواطن بالشكوى. لتلقى من التوبيخ والتقريع ما يجعله يلوم نفسه على أنه أعمي ولم يبصر طريقه زين وما حصل قضاء وقدر, وإذا تلطفت وتكرمت الجهة المختصة فتح تحقيق بالحادث وأسبوع ويموت التحقيق, ولن يأخذ المواطن لا حقا ولا باطلا.

والناس مستاءة يتفرجون ويمتعضون من الإجراءات البدائية العقيمة التي لا تنقذ غريقا ولا يفيد معها وبها الزعيق عند من راح ضحية سيل جارف أو بحفرة ابتلعت شباب وشابات في مقتبل أعمارهم. وكأني أسمع أو تسمعون أحدهم يصرخ طالبا النجدة وهو بهاوية سحيقة .إني أغرق إني أغرق. ولا صدى يوصل لإنقاذه.

bushait@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب