29-11-2014

حيثيات مقترح لإصلاح التعليم بالمصالح الشخصية

- لا يتحول مجتمع فجأة بسبب ثروة من حياة البساطة البدائية إلى حياة مدنية متقدمة إلا ويعاني من سلبيات تنتقل من الجيل الأول إلى الأجيال اللاحقة. والمعضلة الخطيرة المستعصية هي أن هذه السلبيات تصبح أعرافا يعتاد عليها المجتمع ونمط حياة. وهذه سنن الله الكونية التي خلقها في الانسان والمجتمعات البشرية، ولذا لم يسلم منها مجتمعنا. ولهذا فلا يمكن أن تُحل المعضلة الا بنفس سببها.

- ومن الأخطاء التي نرتكبها عند أخذنا الخبرات والنماذج الناجحة في الدول الأخرى، أننا لا نفرق كثيرا بين المشاريع الإنسانية وغير الإنسانية، كالتقنية والصناعات. وهذا لا يعني أن لا نتعلم التجارب ونقلد في بعض الأدوات من هنا وهناك، ولكن من الخطأ الكبير أن نستنسخ التجارب الأخرى المتعلقة بالمشاريع الإنسانية.

وأعوص معضلة نواجهها هي معضلة التعليم وهي معضلة غارقة في الإنسانية. فلن ينفعنا إلا نموذجا نصنعه بأيدينا. فتجارب الشعوب تختلف عنا في كل شيء. فالدين والثقافة والظروف التاريخية والاقتصادية ومكانتنا بين لأمم والعرق واللغة والاعراف، كلها تصب في العقل وبالتالي في التعليم.

- وأساس محور وعقدة مشكلة التعليم تدور حول ضعف المقدرة على الفهم والتحليل عند الطالب وعند إستاذ المدرسة والجامعة وبالتالي في المستوى العلمي المتدني للخريجين وإن كانوا حاصلين على امتياز. فلو نجا طالب الثانوية بعقله وعلمه لم يلفت من الجامعة ولو أفلت من الجامعة صاده العمل. فتدني المستوى العلمي والمقدرة العقلية التحليلية هي مشكلة شائعة في المجتمع، في دائرة يوصل بعضها لبعض.

فعلى المستوى الجامعي فليس بصحيح بأن مخرجات الجامعات لا تتوافق مع متطلبات السوق، فهذا مما شاع الاعتقاد به عندنا بسبب التقليد المحض لمشكلة في التعليم عند شعوب أخرى. فخريج التاريخ في أمريكا يصبح طبيبا، وخريج علم الاجتماع هو المقدم المفضل في التوظيف عند أعظم الشركات القانونية والاقتصادية والاستراتيجية - كماكينزي.

وأكثر خريجي الثانوية عندنا يلتحقون بالجامعة، بخلاف الدول المتقدمة. فلن يقبل أحد أن لا يُقبل ابنه في الجامعة، فوضعها المجاني وشبه ضمان التخرج مع عدم تقييم السوق لجودة الشهادة، وباعتبار وضع سوقنا وتاريخ اقتصادنا ومجتمعنا، يجعل الجامعة حقا غاصبا لكل مواطن، ما لم يتخلى عنه باختياره، والمقترح يحقق هذا. ووجود البديل أيضا سيتوفر تلقائيا في هذا المقترح، وسيأتي.

- فالمشكلة متراكبة متداخلة نتاج تفاعلات سياسية اقتصادية اجتماعية تحت سنن الله الكونية. وهذا المشروع المقترح يستخدم هذه السنن الكونية، فمتى طُبق حقيقة، ستزول مشاكل التعليم وتنقلب إلى محرك تطور. فخلال سنوات قليلة سترتقي نوعية الخريجين العلمية والعقلية والتحليلية، وستظهر الصرامة العلمية مما سيدفع كثير من طلبة الثانوية لعدم دخول الجامعة أو الخروج منها ليحقق منفعة أعظم لنفسه وأهله بلاده في مجال آخر وبعضهم بالالتحاق بالجامعات والمدراس التي ستتحول إلى مهنية خاصة.

- وحب الإنسان الخير لنفسه وتقديم مصلحته الخاصة هي من أهم سنن الله الكونية في تسيير الإنسان والسوق والمجتمع، فالانسان سيعمل ولا بد لتحقيق الخير لنفسة سواء بالبناء أو بالهدم أو بالخمول، فالخمول إن لم يأت بخير منع من شر في المجتمعات المحبطة. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}. وقد استخدمها الرسول كثيرا في الجهاد كونه تزيغ فيه الأبصار وتنخلع القلوب وتتحفز الفطرة الانسانية في تقديم مصلحته الخاصة. فبالاضافة للغنائم، فحفز حب الخير في النفوس فقال عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه. كما أقر التبختر في الحرب، وخصص كل فخذ وعشيرة بثغرة فيقاتل كل امرئ دون فخر عشيرته.

- والتعليم عندنا - العام والعالي- في كونه حكوميا، هو أنسب ما يطبق عليه أسلوب الرسول القائد. فاتركه يعمل باستقلالية تحت رقابة شاملة باستخدام النتائج ثم كافئ الناجح. وهذا النموذج يصعب تحقيقه بنسبة عالية في الشركات الخاصة المتقدمة فضلا عن غيرها. فلو أخذنا البنوك مثلا، فالإدارة ليست مستقلة بل تتأثر كثيرا بمصالح كبار الملاك. ومؤشر الربح والنمو قد يخطئ فيقرأ النجاح في أرقام عالية جاءت من الفساد والغش.

وأما التعليم العام والجامعات، فليست مملوكة لأشخاص، فلهذا يمكننا - وبتكاليف أقل كثيرا مما يُصرف الآن- أن نستخدم بكفاءة سنن الله الكونية فنرتقي بكفاءة الإدارة وجودة المعلم إلى أعلى مستوى ممكن من الرقي البشري. كما يمكننا قياس النتائج بطريقة موضوعيه تساهم كذلك في الارتقاء بالعقل السعودي.

- والنموذج سيحقق نجاحا هائلا من السنوات الأولى ومبني في داخله على أعمدة عوامل النمو والتطور التلقائي. فالمرحلة الأولى ستحقق نجاحا لا يخلو من تبعيات سلبيات الثقافة المتراكمة، فتتصفى ويدخل المرحلة الثانية والثالثة حتى يخلوا من الشوائب العالقة ثم ينطلق النمو والتطور في المشروع تلقائيا بعد ذلك.

- وفكرة المشروع المقترح بسيطة جدا لكونها متسقة مع سنن الله في الخلق، فسأسرد في مقال قادم الخطوط العريضة التي تشكل الأركان والأساسات فهي تفي بالغرض، وإن كانت هناك حيثييات واحتياطيات في تفاصيل كثيرة.

وأركان المقترح ثلاثة: الاستقلالية وتحقيق المنفعة الخاصة والرقابة بالنتائج. وديناميكية نجاحه وتطورة قائمة تلقائيا بتنفيذه. والخارجون منه سيشكلون بدائل تحل مشاكل أخرى.

- وغرض الاستقلالية هو توظيف أكبر عدد من العقول - الأعرف بوضعها- وشحذها لبذل الجهد. ولكن متى استقلت الجامعات والمدراس بدون رقيب صارم، فالعقول سستوظف للفساد والهدم، بحكم سنة الله الكونية. والمجتمعات أحيانا تكون الرقيب، ولكن مجتمعنا غير مؤهل لذلك. والرقيب في هذا المقترح هو أحد أساسيته في توجيه التعليم للمنطقية في الفهم وإيجاد ملكة التحليل، فلا وجود لعائق الاستقلالية في المقترح.

وفي مقال السبت القادم سأتي على ذكر الخطوط العريضة للمقترح.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب