الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
جاءت الشريعة الإسلامية بالترغيب في النكاح، وبينت حكمه وأحكامه وآدابه، ورغبت في الذرية والنسل.
في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة قيام بعض الشباب حديثي الزواج إلى تأجيل الحمل إلى فترة سنة أو أكثر دون مبرر أو حاجة.
وفي نفس الوقت يرى الأطباء أن تأخير الحمل والإنجاب قد يكون له مخاطر صحية على الأم وربما الجنين.
«الجزيرة» التقت اثنين من المتخصصين في العلوم الشرعية والطبية ليتحدثا عن تلك الظاهرة.
الرأي الشرعي
استهل الدكتور محمد بن سعد العصيمي الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة أم القرى حديثه في ذكر حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ذُكِرَ ذلِكَ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - يعني العَزلَ - قالَ : (فلِمَ يفعلُ أحدُكُم؟ ولَم يقُلْ فلا يفعَلْ أحدُكُم، فإنَّهُ ليسَت من نَفسٍ مَخلوقةٍ إلَّا اللَّهُ خالقُها).
وفي لفظ : ذُكِرَ العَزْلُ عِنْدَ النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ -، فَقالَ : وَما ذَاكُمْ؟ قالوا : الرَّجُلُ تَكُونُ له المَرْأَةُ تُرْضِعُ، فيُصِيبُ منها، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ منه، وَالرَّجُلُ تَكُونُ له الأمَةُ فيُصِيبُ منها، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ منه، قالَ : فلا علَيْكُم أَنْ لا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فإنَّما هو القَدَرُ.
ولفظ مسلم : - عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو صِرْمَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيدٍ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ الْعَزْلَ، فَقَالَ : نَعَمْ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ بَلْمُصْطَلِقِ، فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ، فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ، وَنَعْزِلَ، فَقُلْنَا : نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا، لَا نَسْأَلُهُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : لَاعَلَيْكُمْ أَنْ لَاتَفْعَلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ.
وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ فَقَالَ : اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ، فَقَالَ : قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، وعن جابر - رضي الله عنه - قال : كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن.
وحديث : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (نهى أن يعزل الرجل إلا بإذن الحرة).
رواه أحمد وفي إسناده رجل مجهول، لكن المعنى صحيح من حيث المعنى؛ لأن لها حقًّا في الولد، هما شركاء في الولد، وحديث أبي سعيد : (أنَّ رجُلًا قالَ : يا رسولَ اللَّهِ إنَّ لي جاريةً وأنا أعزِلُ عنها، وأنا أَكرَهُ أن تحمِلَ؟ وأنا أريدُ ما يريدُ الرِّجالُ وإنَّ اليَهودَ تُحدِّثُ أنَّ العزلَ موءودةٌ صُغرى قالَ : كذَبَتْ يَهودُ! لو أرادَ اللَّهُ أن يَخلُقَه ما استَطعتَ أن تصرِفَهُ). وفي سنده اختلاف.
وعَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَّاشَةَ قَالَتْ : حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُنَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ : لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ.
زَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ عَنْ الْمُقْرِئِ وَهِيَ : «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ». رواه مسلم.
والغيلة : أن ترضع المرأة وهي حامل.
والجمع بين حديث جذامة، وبقيت الأدلة على حمل العزل على الكراهة إلا لحاجة، وأما إذا كان يضر بأحد الطرفين، فينهى عنه نهي تحريم لحديث : (لا ضرر ولا ضرار)، وذلك فيما إذا كان الضرر محققاً، غير يسير، ولم يكن الضرر بحق.
ويقول الدكتور محمد العصيمي : وبناء على ما سبق فلا بأس بتأخير الإنجاب السنة ونحوها بإذنهما للحاجة أو الضرورة، وكذلك بغيرهما مع الكراهة، أما مع وجود الضرر لهما أو لأحدهما بشروط الضرر السابقة فلا يجوز، والقاعدة : إذا اجتمع حاظر ومبيح غلب جانب الحظر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (32/ 110) : «وأما العزل فقد حرمه طائفة من العلماء ; لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز بإذن المرأة. والله أعلم».
تنبيه : لا يجوز للمسلم أن يسيء الظن بربه - عز وجل - في عدم رزق الذرية، كما هو ظن الجاهليين في الجاهلية الأولى، فما من دابة إلا على الله رزقها.
الرؤية الطبية
ترى الدكتورة دعد قرقوط أخصائية أمراض النساء والولادة بالرياض أن تأجيل الحمل لعدة أشهر أو سنة، وحتى سنتين ليس فيه خطورة على إمكانية الحمل عندما يريد الزوجان ذلك، لكن القلق والتفكير والتوتر يؤثر سلباً على انتظام الدورة وبالتالي على الإباضة.
ونصحت د. دعد قرقوط الزوجين بشكل خاص بعدم التأخر عن سن الخامسة والثلاثين، حيث أثبتت الدراسات أن نسبة الولادات الباكرة تزيد بالأعمار المتقدمة، وأيضاً نسبة الوزن المتدني للجنين تزيد أي أن أوزانهم أقل من 2,5 كيلو غرام، وأيضاً تزيد نسبة دخول الأجنة إلى غرفة الرعاية الخاصة بعد الولادة، ولهذا ننصح لمن يزيد أعمارهم على الثلاثين بألا يتأخرن عن الإنجاب، كما تنصح الزوجين حديثي الزواج أو المقبلين على الزواج أن لا يأجلن أو يتأخرن الحمل.
وشددت أخصائية النساء والولادة بالرياض على ضرورة أخذ استشارة الطبيب المختص إن كان للزوجة أو الزوج على السواء، وعند اتخاذ قرار تأخر الحمل أن تعرض الزوجة والزوج أنفسهم على استشاري أمراض النساء، ويتم إجراء تأخير الحمل تحت إشراف الطبيب، وأحياناً يقر الطبيب أن الزوجة سليمة ولا يوجد أي ضرر من تأجيلها للحمل، ولكن قد تكمن خطورة التأجيل إذا كان الزوج يعاني من بعض المشاكل فيجب أن يسرع بعلاجها حتى لا يتأخر الحمل أكثر من اللازم.
وأكدت د. دعد قرقوط أخصائية النساء والولادة مجدداً أن تأخير الحمل لعدة أشهر أو سنة ليس فيه خطورة على إمكانية الحمل عندما يريد الزوجين ضمن شروط أن يكون الزوجان خاليين من أي مشاكل قد تؤدي إلى تأخر الحمل وتأخير فرص الإنجاب، مشيرة إلى أنه يوجد حالات عديدة ننصح فيها بعدم التأخر لتجنب مخاطر صعوبة الحمل بالنسبة للزوجين، مشيرة إلى الفحوصات المهمة التي يجب إجراؤها أو الكشف عنها، وذلك على النحو التالي :
أولاً: للزوج محض شامل.
ثانياً: الزوجة إجراء فحوصات:
1 - الكشف عن اضطراب هرمونات مثل: الغدة الدرقية.
2 - تحاليل لنفي وجود تكيسات المبايض.
3 - اضطراب الغدة النخامية المسؤولة عن إفراز هرمونات الأنوثة، والإباضة من المبايض.
4 - ومن أهم التحاليل التي يمكن إجراؤها، هي: إجراء تحليل مخزون وفير وجيد من البويضات، حيث يوجد حالات قليلة جداً قد يكون المخزون منها قليل، وهذه الحالات تكون الخصوبة قليلة، ولهذا بالنهاية ننصح بعدم تأجيل الحمل الأول، ونأخذ بالاعتبار العمر بالدرجة الأولى وصحة الزوجين بالدرجة الثانية.