الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يعد الكسل من أفتك الأمراض التي تصيب النفس وتضعف العزم وتعيق عن الإقدام على النافع من الأعمال، وقد حارب الإسلام كل مظاهر اليأس والكسل والتراخيص، التي لا تساعد على البناء والتعمير، واعتبر الكسل صفة ذميمة، وآفة قلبية مهلكة تفسد الأمم والشعوب.
وتقول منظمة الصحة العالمية أن ملياري شخص بما يعادل ربع سكان العالم يعانون الكسل.
«الجزيرة» التقت مختصان في العلوم الشرعية والطبية ليتحدثوا عن مخاطر الكسل، والسبل الكفيلة للحد منه وتفشيه في المجتمع
أسوأ الأخلاق
ويؤكد الدكتور محمود المختار الشنقيطي الداعية بالمدينة المنورة: أن العجز والكسل صفتان من أسوأ الأخلاق التي تقعد عن العمل، وتبعث على التأخر والتخلف وضعف الإيمان، وعدم القيام بمهمة عمارة الدين والدنيا، وقد استعاذ منهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنّ لنا الاستعاذة منهما، «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ».
بهذِه الأَدعيةِ العظيمةِ كانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَستفتِحُ يومَه ويحثُّنَا على ذلكَ، كما في صحيحِ مُسلمٍ.
وأبان الشنقيطي الفرق بينهما، حيث إن العجز: هو عدم القدرة على فعل الشيء، والكسل: التثاقل عن الفعل مع القدرة عليه، مجدداً القول: إن الإسلام دين حضارة شاملة تبني العقيدة والقيم والأخلاق والآداب والاقتصاد، دين عمارة الدنيا والآخرة؛ فحارب الإسلام صفة الكسل، وشرع لنا وسائل لدفعه، لأنها صفة من تخلّق بها من الأفراد أثّر ذلك الخلق في بناء الأمة، وربما ساهم في هدم المجتمع، وقد أحسن الإمام ابن القيم حين وصف هذين الخلقين في «زاد المعاد» أنهما «مفتاح كل شر».
فالإسلام يحب أن يبعث في المسلم دائماً الهمة العالية، والحرص على المسابقة في الخيرات، فأصدقُ الأسماءِ: حارثٌ وَهمَّامٌ، إذا أُصيبَ بهما الشبابُ خاصةً أُصيبوا بمَقْتَلٍ!
لأنَّ الحياةَ لا تقومُ إلا بنشاطٍ، لا تقومُ إلا بِجِدٍّ، لا تقومُ إلا بعزيمةٍ، إذا أُصيبَ الإنسانُ بهما أَصبحَ يعيشُ على هَامشِ الحَياةِ.
أخطر التكاسل
ويكشف د. محمود الشنقيطي أَخطرَ أَنواعِ التَّكاسُلِ، التكاسلُ عن العباداتِ ولا سِيَّما العِباداتِ اليوميةِ كالصلاةِ، وَالتَّهَاوُنِ بِحُقُوق لِلنَّاسِ، والتَّسَاهُلِ بِأَدَاءِ حُقُوقِ الوَالِدَينِ والأُسرةِ.
ومن أنواعِ الكسلِ: الكَسلُ الفِكريُّ، وهو أن تَجِدَ إنسانًا مُؤَهَّلاً لأنْ يتعَلَّمَ، مُؤهلاً لأن يعرِفَ ويَطَّلعَ، ويتَرَّقَى في المراتبِ العلميةِ، وكَم فَقدَتِ الأُمةُ مِن أَمثاِل هؤلاءِ الكَثيرِ إذ لَو عَرفُوا قَدرَ أَنفسِهِم وسَعَوْا كمَا يسعَى الرِّجالُ الأَفذَاذُ لحصلَ في الأمةِ خَيرٌ كَثيرٌ واللهُ المستعانُ.
ومِن ذَلكَ: التَّكاسُلُ في الوظيفةِ والعملِ؛ فالوظيفةُ أَمانةٌ ومَسؤوليةٌ، والمخِلُّ بها مُذنِبٌ وآثِمٌ، والمُجِدُّ فيها مُثابٌ ومَأجورٌ، قالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ» أخرجهُ النَّسائيُّ وابنُ حِبَّانَ، وصححهُ الألبانيُّ.
والعلاج يكون بالصبر والمصابرة، والدعاء وسؤال الله الإعانة، واغتنام العمر وخاصة سن الشباب، والصحة والفراغ.
المسببات
ويقول الدكتور عروة بن محمد حاميش أخصائي الأمراض الباطنية بالرياض: الكسل هو حالة من الخمول الجسدي أو العقلي تمنع الشخص من القيام بالمهام المطلوبة منه، ومن أبرز أسبابه: أسباب نفسية: القلق، الاكتئاب، قلة الحافز الداخلي، فقدان الشغف، وأسباب طبية: نقص الفيتامينات (خاصة فيتامين د)، ضعف الدورة الدموية، اضطرابات الغدة الدرقية، والروتين الممل: الأداء نفس الأنشطة يوميًا دون تغيير قد يؤدي إلى الشعور بالخمول وعدم الحماس، وقلة النشاط البدني: الجلوس لفترات طويلة وعدم ممارسة الرياضة، وسوء التغذية: تناول الأطعمة الغنية بالسكريات والكربوهيدرات المكررة قد يؤدي إلى انخفاض الطاقة، وقلة النوم: النوم غير الكافي أو غير المنتظم يؤدي إلى الإرهاق والكسل، والاعتماد على التكنولوجيا: الإفراط في استخدام الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي قد يقلل من الإنتاجية ويزيد الكسل.
عوامل مؤثرة
ويوضح د. عروة حاميش العوامل المؤثرة في الكسل، ومنها: العوامل البيئية: درجة الحرارة المرتفعة أو المنخفضة جدًا، الإضاءة السيئة، مكان العمل غير المريح، والتأثير الاجتماعي: العيش مع أشخاص غير منتجين أو محبطين يمكن أن يؤثر على مستوى النشاط الشخصي، والمعتقدات والعادات: بعض العادات مثل: التسويف أو الاعتقاد بعدم القدرة على الإنجاز تعزز الكسل.
حلول مبتكرة
ويقدم د. عروة حاميش أخصائي الباطنية بعض من الحلول المبتكرة للتغلب على الكسل، ومنها:
الحلول السلوكية، العمل لمدة 25 دقيقة متواصلة ثم أخذ استراحة قصيرة، وإنشاء قائمة مهام مرنة: ترتيب المهام من الأسهل إلى الأصعب وتحفيز النفس بإنجاز المهام البسيطة أولًا، والحلول الصحية: تحسين النظام الغذائي: تناول الأطعمة الغنية بالبروتينات والدهون الصحية والخضراوات، وشرب الماء بانتظام: الجفاف يؤثر على الطاقة والمزاج، والرياضة اليومية: المشي لمدة 10-15 دقيقة على الأقل يحفز الدورة الدموية والطاقة، والتعرض لأشعة الشمس: لزيادة مستوى فيتامين (د) وتحسين الحالة المزاجية، وكذلك الحلول العقلية والنفسية: التحفيز الذاتي: ربط الانجاز بمكافآت صغيرة عند تحقيق الأهداف، والتصور الذهني: تخيل نفسك تنجز المهمة بنجاح مما يحفز الدماغ على البدء فيها، والتأمل: يساعد في تقليل التوتر وزيادة التركيز.
ويشدد د. عروة حاميش أخصائي الأمراض الباطنية بالرياض في ختام حديثه أن التغلب على الكسل ليس مجرد مسألة قوة الإرادة، بل يتطلب مزيجًا من العادات الصحية، والاستراتيجيات الذكية، وتعديل البيئة المحيطة، وكل شخص لديه القدرة على زيادة إنتاجيته إذا تبنّى الحلول المناسبة له.