الموت حق نؤمن به، وكلنا راحلون، لكن بعض الأرواح تغادر بأجسادها وتترك خلفها سيرةً عطرةً، وذكرى طيبةً.. تبقى نبراسًا يضيء للأحياء دروب الخير والإحسان والبذل والإيمان.
ولا شك أن أخي الأكبر قيمة ومقاماً، فقيدنا الغالي عبد الرحمن اليوسف - رحمه الله - كان من تلك النماذج المثالية التي رحلت جسداً، لكنها بقيت قلباً وروحاً في ضمير من عرفه، وفي سجل الأبرار الذين تركوا أثرًا يحتذى به.
عرف الفقيد الغالي (أبو محمد) بين أهله وأصدقائه وأحبابه أنه كان رجلا صالحاً وباراً بوالديه، صاحب خلق رفيع، وأدب جم، متواضعاً مع الصغير والكبير.. فكان مثالًا حيًا لقوله تعالى: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) (14) سورة مريم. لم يكن بره مجرد كلمات تقال، بل كان أفعالًا ترى، فوالداه كانا نبع سعادته، وقرة عينه، فخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وأطاعهما في غير معصية، وأحاطهما بالرعاية والعطف حتى آخر لحظة من حياته إلى أن رحلا عن هذه الدنيا الفانية وقد كسب رضاهما وقبل كل شيء رضا الضمير والمبدأ والأخلاق الفاضلة.
أما أخلاقه، فقد كان أخي الراحل (أبو محمد) - رحمه الله - مضرب مثل في نسقنا العائلي ومحيطنا القرابي، فكان تعامله الراقي وأدبه الجم كشمعة تنير للآخرين طريق الخير، متواضعًا في علمه وعمله، بشوش الوجه، طيب الكلام، كريم العطاء والسخاء.. لا يؤذي أحدًا بلسانه ولا بفعله، يعفو عند المقدرة، ويصفح عن الزلات، ويقدم يد العون لكل محتاج. كان يعامل الناس كما يحب أن يعامل، فاكتسب محبة الجميع، وبكى على رحيله الكبير والصغير.. وكل من عرفه عن كثب. صحيح بعض الأرواح تخلدها الأفعال.. فلا يمحوها الزمن.. هم يغادرون بأيدٍ فارغة، لكنهم يتركون الدنيا مليئة ببصماتهم.. كلمة طيبة علموها.. موقف نبيل صنعوه.. أو حتى ابتسامة نقية لاتزال تضيء قلوب من عرفوهم...!
إذا كانت مكارم الأخلاق جسداً يمشي على الأرض فأخي الغالي الراحل (عبد الرحمن) يمثل هذا الجسد. فلقد كان آية في هذه المكارم والشيم والسجايا والشمائل فخدمة الناس كلهم أيــاً كانوا من صفاته التي كانت لا تتغير.. فحياته في ذاكرة محبيه وعارفيه حية لم تمت وهو شمس لم تغب.. غاب جسده وظلت ذكراه تعيش بيننا بمواقفه النبيلة وقيمه الأصيلة.. فقد أسعد (أبو محمد) بقلبه الكبير ونقاء سريرته في حياته أشخاصاً كثر.
لقد رحل (رحمه الله) عن دنيا فانية، منذ خمسة أعوام لكنه ترك وراءه إرثًا من السيرة العطرة، ومواقف من الإحسان، وذكريات من الوفاء، تذكرنا بأن الإنسان لا يقاس بطول عمره، بل بحسن عمله. لأن القلوب تبقى تتذكر، والدمع ينزل حزناً على فراق الأحبة، فإننا نستودعك يا أخي الحبيب القريب للقلب (عبد الرحمن) عند الله – عز وجل -، الذي هو خير مستودع.
رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، وجمعنا بك في دار كرامته.
** **
- عبدالعزيز بن عبدالله اليوسف