الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تشكل رعاية كبار السن قيمة إنسانية ودينية راسخة، واحترام المسن وتقديره من الآداب الإسلامية، وكبير السن يحتاج إلى توفير الدعم اللازم لتلبية احتياجاته الأساسية والضرورية.
«الجزيرة» التقت عددًا من المختصين والمهتمين بالشأن الاجتماعي والأسري ليتحدثوا عن كيفية ترسيخ المنهج الإسلامي النبيل في المجتمع لتحسين جودة حياة كبار السن، وبالذات حينما يكونوا قليلي الحركة وطريحي الفراش؛ فماذا قالوا؟
منطلق الواجب
يقول الدكتور بدر بن محمد المعيقل عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الجوف سابقاً:
اهتمت الشريعة كتاباً وسنة وأقوالاً للصحابة والتابعين وغيرهم، بقضية كبار السن والتعامل معهم، اهتماماً كبيراً، فهم الآباء وإن علَوا، والأمهات وإن نزلن. أي هم الآباء والأجداد، والأمهات والجدّات، وقس عليها بقية الأرحام من عمومة وخُوْلَة، إذا تقرر هذا، فإن حقوقهم والسعي لتحسين جودة حياتهم، ينطلق من منطلق الواجب، وليس من منطلق المندوب، وهو فرض وليس نفلاً، وليس فيه تفضّل من الصغار تجاه هؤلاء الكبار، فحقوقهم في الإسلام ليست كحقوقهم في غير الإسلام، فهي واجبة يترتب عليها الأجر والثواب في الدنيا والآخرة، والتفريط بها عقوبة يترتب عليها الوزر والعقاب في الدنيا والآخرة.
ويضيف د. بدر المعيقل القول: ومن هنا: يجب على المجتمع بجميع أطيافه، العلم بما شرعه الله الكبير من الرخص الشرعية التي تيسر على كبير السن أداء فرائضه دون مشقة عليه، كالفطر في رمضان، أو كالمسح بالماء أو التيمم إن كان الماء مضرا به، وكذلك الجمع بين الصلوات.
ومن ذلك: اجتماع الأسرة حوله دائما ومؤانسته فيما يحب من أحاديث ومسامرة، وتعزيز الإيمان لديه بأسلوب ذكي ومقبول، وتحريكه فيما يناسبه، من مشي حتى ولو على الكرسي المتحرك، أو إخراجه بالسيارة ليعيش واقع الناس دون عزلة عنهم، وربما تطور هذا الأمر ليكون في المجتمع: جمعيات تعنى بشؤونهم، وتقترح ما فيه النفع والفائدة لهم، كل ذلك داخل تحت إطار، قوله عليه الصلاة والسلام: (إن من إجلال الله تعالى إجلال ذي الشيبة المسلم) الحديث.
الحضن الطبيعي
وترى الأستاذة أسماء بنت مهدي آل مهدي مدير تنمية الموارد المالية بالجمعية الخيرية لإكرام المسنين بالباحة أن نقطة البداية في هذا المسار هي الأسرة، فهي الحضن الطبيعي والأقرب إلى المسن، ومنها تنبع أولى معاني البرّ والرحمة، حيث أن رعاية كبار السن داخل الأسرة ليست مجرد واجب، بل هي امتداد لقيم البر والوفاء وردّ الجميل، ومع تسارع وتيرة الحياة، قد تجد بعض الأسر صعوبة في تلبية كل احتياجات كبير السن، وهنا تظهر أهمية التوعية والتدريب على أساليب الرعاية المناسبة، لتبقى العلاقة قائمة على الرحمة لا على الشعور بالعبء، ثم يأتي دور المجتمع والجمعيات الخيرية في دعم هذا الدور الأسري، خاصة في الحالات التي يغيب فيها السند القريب، أو تزداد فيها التحديات الصحية، وهذه الجهات تُسهم في تقديم خدمات متكاملة تشمل الرعاية المنزلية، والأجهزة الطبية، وتوفير الأسرة المناسبة، إلى جانب الأنشطة الاجتماعية التي تخفف من مشاعر العزلة وتُعيد للمسنين ارتباطهم بالحياة.
واسترسلت قائلة: ولا يمكن إغفال دور التطوع المجتمعي، فهو أحد أصدق صور التعاطف الإنساني حين يخصص الشباب وقتهم لخدمة كبار السن، فإنهم لا يقدمون خدمة فقط، بل يحيون قيمة البرّ في المجتمع، ويخلقون جسور تواصل بين الأجيال، تُثمر رحمة ووعيًا واحترامًا متبادلًا.
أما الدور الحكومي، فهو أساس داعم لهذه المنظومة، من خلال السياسات والتشريعات والبرامج الوطنية التي تهدف إلى حفظ حقوق كبار السن، وتوفير سبل العيش الكريم لهم، سواء عبر دعم الجمعيات المتخصصة أو إطلاق مبادرات مجتمعية مستدامة.
سياسات داعمة
وشددت أسماء آل مهدي في نهاية حديثها: إن رعاية كبار السن ليست مهمة عابرة، بل مسؤولية دينية وأخلاقية واجتماعية، تتكامل فيها الأدوار، ويتجدد من خلالها الوفاء لمن أفنوا أعمارهم في العطاء، كما أن ترسيخ المنهج الإسلامي في رعاية كبار السن لا يكون بالخُطب والكلمات وحدها، بل بالفعل، بالتطوع، بالشراكة، وبسياساتٍ داعمة تجعل هذه الفئة الغالية أولوية مجتمعية، وحين نفعل ذلك، فإننا لا نُكرمهم فقط، بل نُكرم أنفسنا، ونرسم صورة مجتمعٍ وفيّ لا ينسى من تعب لأجله، حين يشتد به التعب.
مشكلة صحية
ويكشف الدكتور طلال محمد أحمد أخصائي الجراحة العامة بالرياض: أبرز الأخطار الصحية التي تهدد حياة كبار السن طريحي الفراش هي قرحة الفراش، أو كما تُعرف طبياً بـ»قرحة الضغط»، وهي مشكلة صحية قد تبدو بسيطة في بدايتها، لكنها قد تتطور إلى مضاعفات خطيرة تهدد الحياة.
ويعرف د. طلال أحمد قرحة الفراش بأنها تلف في الجلد والأنسجة تحت الجلد، ينجم عن الضغط المستمر على مناطق معينة من الجسم، خصوصاً عند الأشخاص الذين يعجزون عن تغيير وضعيتهم بانتظام، مثل: مرضى الشلل أو كبار السن المصابين بأمراض مزمنة تلزمهم السرير أو الكرسي لفترات طويلة، وغالباً ما تظهر هذه القروح في مناطق الضغط العالية مثل: أسفل الظهر، الوركين، الكعبين، والكوعين، وتبدأ غالبًا باحمرار بسيط في الجلد، ثم تتطور إلى تقرح مفتوح، قد يصل إلى العظم إن لم يُعالج مبكرًا، مشيراً إلى أن خطورة قرحة الفراش تتجاوز مجرد الألم أو تشوّه الجلد؛ إذ يمكن أن تؤدي إلى: التهابات بكتيرية عميقة في الجلد والأنسجة، والتسمم الدموي (sepsis)، والتهاب العظم (osteomyelitis)، وقد تؤدي -لا قدر الله- إلى الوفاة إذا لم تُعالج بالشكل المناسب، وإن أكثر عرضة لذلك هم كبار السن الذين يعانون من ضعف الحركة، ومرضى الشلل الدماغي أو النصفي، ومرضى السكري والقصور الحركي، ومن يُعانون من نقص في التغذية أو الجفاف.
الآفة الصامتة
ويبين د. طلال أحمد أخصائي الجراحة العامة بالرياض أبرز الطرق للوقاية من هذه القروح، وهي: ممكنة وسهلة إن توفرت العناية الكافية من حيث تغيير وضعية المريض كل ساعتين على الأقل، واستخدام مراتب هوائية طبية تخفف الضغط، والعناية اليومية بالجلد وتنظيفه وترطيبه، وفحص الجلد يوميًا لرصد أي علامات مبكرة، وتحسين التغذية والإكثار من البروتينات والفيتامينات، والحفاظ على جفاف الجلد ومنع التعرق المفرط أو البلل، أما في حال حدوث قرحة الفراش فلا بد من الاستشارة الطبية واتخاذ الإجراء المناسب.
وقدم د. طلال أحمد أخصائي الجراحة العامة في ختام حديثه رسالة لكل أسرة ومقدمي الرعاية، قائلاً: كبار السن أمانة، والعناية بهم ليست خيارًا بل واجب أخلاقي وديني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا»، لنحذر من إهمال التفاصيل الصغيرة التي قد تُفقدنا أحبّتنا، وقرحة الفراش ليست قدراً لا مفرّ منه، بل خطر يمكن منعه بالعناية والوعي؛ فدعونا نرفع الوعي في البيوت، وفي المستشفيات، ودور الرعاية، ونؤسس لثقافة صحية تحمي كبارنا من هذه الآفة الصامتة؛ فهم يستحقون الأفضل دومًا، وقد آن الأوان لنردّ الجميل.