الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
لطالما ارتبط فصل الصيف بالإجازات، وقلة النوم والسهر لساعات طويلة، وتزداد حالات السهر عند الأطفال خصوصاً، حيث تؤدي قلة النوم إلى حدوث انعكاسات غير صحية على الجسد، وتكون جسامة الأضرار التي تصيب الأطفال جراء النوم في ساعة متأخرة.
«الجزيرة» التقت عدداً من التخصصات في الشأن التربوي والطبي ليتحدثوا عن كيفية التغلب على تلك المشكلة؛ فماذا قالوا؟
ظاهرة مجتمعية
تؤكد الأستاذة شوقية بنت محمد الأنصاري الخبيرة التربوية أن مشكلة سهر الأطفال مع الإجازات باتت تتحوّل لظاهرة مجتمعية، لا تقف في قياساتها على رصد تأخر ساعات النوم فقط، بل تتداخل معها اضطرابات نفسية لقلة الوعي الأسري، والدور المجتمعي في معالجة مسبباتها، وبالتالي يمكن قراءة أبعادها من عدة جوانب:
أولاً: النفسي: فقد انعكس اضطراب الساعة البيولوجية الناتج عن مواصلة السهر، على المزاج، وضعف الانتباه لوضع نفسية الطفل، فازدادت لديه ظاهرة الشتات وضعف التركيز؛ لأن قلة النوم أضعفت من كفاءة الدماغ عند تلقيه المهارة والمعرفة المرتبطة بنمط حياته اليومي، كما يزداد الوضع سوءاً مع إدمان الأجهزة الإلكترونية، حيث تنبثق منها الشحنات الكهربائية والإشعاعات التقنية على أجسامهم مباشرة فترتفع حدة التوتر والقلق.
ثانيًا: الأسري: بسبب غياب الروتين الأسري المنظم، فسهر الوالدين يتشارك مع سهر أطفالهم، وبالتالي تعم الفوضى بنمط الحياة الأسرية، وتعيق جودة العلاقات بينهم، وغياب سلطة الوالدين الحكيمة، بالتساهل في ضبط مواعيد النوم، وبالتالي تظهر لغة التمرد على الأنظمة، والتي قد تزداد بالانفصال والمشاكل الزوجية.
ثالثًا: المجتمعي: نتيجة ضياع الطفل في أسرته، احتضن المجتمع جيلاً اعتاد على الفوضى، والتراخي في التنظيم والالتزام، بسبب انغماسه في الترف وتعظيم لذة المتعة، مما ينعكس على سلوكه اللامبالي في المدرسة والمجتمع، إضافة لغياب وضعف المشاركة المجتمعية في الأنشطة النهارية، كالرحلات وحاضنات التدريب والفعاليات، وزادت فجوة العزلة عن واقعه، وبالتالي طغت الشخصية اللامبالية وغابت القيادية، من جراء ثقافة التسلية المفرطة المرتبطة بالاستهلاك الرقمي (شاشات، ألعاب، مسلسلات)، وأكثر ما يردّدونه مفردة (طفش) مما يعزز أحقيته بالترفيه المستمر على حساب قيم العمل والاجتهاد.
علاجية وقائية
وقدمت الأستاذة شوقية الأنصاري مجموعة من المقترحات العلاجية والوقائية لهذه الظاهرة، وذلك وفق التالي:
* تمديد أوقات النوم قليلاً، لكن دون انقلاب كامل في الجدول اليومي.
* مشاركة الأطفال في أنشطة نهارية ممتعة كاللعب والرياضة بالأندية الصيفية لتشجيعهم على الاستيقاظ مبكرًا.
* الحد من استخدام التقنية ليلًا بوضع قواعد زمنية للاستخدام الإلكتروني.
* الحوار مع الأطفال عن هذه المشكلة، بتوضيح أهمية النوم في حياتهم.
الطريقة الأنسب
وتوضح الدكتورة إكرام رابح عياد استشارية طب الأطفال بالرياض بعض الأسباب الشائعة لمقاومة النوم، ومنها: تعديل وقت النوم حيث تحدث هذه الحالة عندما يُسمح للأطفال بالبقاء مستيقظين حتى وقت متأخر، ثم النوم في وقت متأخر أكثر من المعتاد كل ليلة، والاستمرار على هذا المنوال بما يكفي لتعديل ساعة الجسم الداخلية إلى وقت النوم المتأخر، مشيرة إلى أن تبكير موعد النوم لبضع دقائق في كل ليلة الطريقة الأنسب لإعادة ضبط الساعة الداخلية، ولكن يمكن عند الحاجة استخدام الأدوية المساعدة على النوم التي يمكن صرفها بدون وصفة طبية لمدة بسيطة، مثل: الميلاتونين وهو ما قد يُساعد على إعادة ضبط الساعة الداخلية.
وتشير استشارية طب الأطفال بالرياض إلى أنه لا تتحسن مقاومة الطفل للنوم إذا مكث الأهل معه في الغرفة لمنحه الإحساس بالراحة أو سمحوا له بالخروج من السرير، وفي الواقع، فإن هذه التصرفات قد تعزز من سلوك الاستيقاظ ليلاً، حيث يحاول الأطفال إعادة تهيئة الظروف التي ناموا فيها. ولتجنب هذه المشاكل، يمكن لأحد الوالدين الجلوس بهدوء في الردهة على مرأى من الطفل والتأكد من أنه يبقى في السرير. بعد ذلك يؤسس الطفل لروتين نومه بمفرده، ويعلم أن الخروج من السرير هو سلوك غير جيد، كما يدرك الطفل أيضًا أن الأب أو الأم قريبان منه، دون أن يلعبا معه أو يحكيا له القصص. في نهاية المطاف، سوف يرقد الطفل ويخلد إلى النوم، كما أن الاستيقاظ أثناء النوم: كثيرًا ما يواجه الأطفال نوبات متكررة من الاستيقاظ ليلًا، بعد التحرك، أو الإصابة بمرض، أو المرور بتجربة مرهقة. قد تتفاقم مشاكل النوم إذا أخذ الطفل قيلولة طويلة في وقت متأخر من فترة ما بعد الظهر، أو تحفز بشكل كبير نتيجة الإفراط في اللعب قبل النوم.
قد يتأثر النوم أحيانًا بمُتلازمة تململ الساقين، كما أن عددًا قليلًا من الأطفال، وخاصة أولئك الذين يتحركون بعنف أو يشخرون في أثناء النوم، قد يكونون مصابين بمتلازمة انقطاع التنفُّس في أثناء النوم.
قد يوصي الأطباء بإعطاء مكملات الحديد للأطفال الذين يعانون من مُتلازمة تململ الساقين، حتى ولو لم يكن لديهم فقر الدَّم بسبب عوز الحديد، وربما يوصي بتحري إصابة بالطفل بانقطاع التنفس في أثناء النوم، إذا كان الطفل يتحرك بعنف أو يشخر في أثناء النوم.
وشددت د. إكرام عياد استشارية طب الأطفال إلى أنه يجب على الوالدين وغيرهما من مقدمي الرعاية للطفل أن يحافظوا على روتين النوم كل ليلة، حتى يتعلم الطفل هذا الروتين ويتوقعه يوميًا. إذا كان الطفل يتمتع بصحة جيدة، فقد يكون تركه يبكي لبضع دقائق مفيدًا من جهة أنه يساعده على الهدوء لوحده، مما يقلل من احتمال استيقاظه ليلاً.
مراعاة تنظيم النوم
وتشير الدكتورة منى بنت محمد الغامدي الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الإمام عبدالرحمن: في الغالب، تحوّلت الإجازة الصيفية لدى كثير من الأطفال إلى فوضى زمنية، أثّرت سلبًا في صحتهم البدنية، وتوازنهم النفسي والوجداني، والعلاج يبدأ بخطة متوازنة تضعها الأسرة، تجمع بين أوقات للراحة وأخرى لممارسة الأنشطة، مع مراعاة تنظيم النوم والاستيقاظ بما يتناسب مع جدول الأسرة وظروفها.
وأضافت د. منى الغامدي قائلة: صحيح أننا قد نتأخر قليلًا عن النوم المعتاد في الإجازة، لكن المهم ألا يُفقد الطفل ساعات نومه الكافية، وألا تنقطع علاقته بروابطه الأسرية والاجتماعية، كما أنه من الضروري اغتنام هذه الفترة لاكتشاف مواهب الطفل، ووضع جدول مرن لتنميتها، دون أن يشعر بأنها واجب ثقيل، بل مجالٌ للتحفيز والمتعة، ويمكن دعمه بالاشتراك في أندية وأنشطة هادفة لبعض أيام الأسبوع، مع إبقاء مساحة للراحة والتواصل، ويبقى في النهاية نموذج الوالدين المنظمين في أوقاتهم، وسلوكهم اليومي، هو القدوة الأهم التي ترسّخ في الطفل قيمة الوقت والعمل.