في البداية، لا بد من تقديم التهنئة والتقدير الصادق لكل الروائيين العرب الذين فازوا بجوائز “كتارا” و”البوكر” أو ترشحوا للقوائم الطويلة والقصيرة. فليس في هذا المقال أي تشكيك في جدارة أعمالهم أو في مستواهم الإبداعي. لهم منا كل الاحترام والتقدير.
الحديث هنا لا يخص الروائيين المرشحين أو الفائزين بتلك الجوائز، هو موجه تحديداً لإدارة تلك الجوائز وآليات عملها، ومدى شفافيتها ونزاهتها في الترشح والاختيار، وضمانها لعدالة التمثيل وعدم التحيّز، خاصة عندما يتكرر غياب دولة مثل السعودية، رغم ما تمتلكه من مشهد روائي نابض بالحياة.
حين أعلنت المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” عن قائمتها الطويلة لجائزة الرواية العربية في دورتها الحادية عشرة (2025)، لم يلفت الانتباه أسماء الروايات المختارة بقدر ما أثار التساؤلات غيابٌ لافت: لا اسم سعودي واحد ضمن 18 رواية منشورة.
وقبلها بعدة أشهر، جاءت القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية (العربية) لعام 2025، خاليةً هي الأخرى من أي رواية سعودية. تكرار هذا الغياب في اثنتين من أرفع الجوائز العربية لا يمكن اعتباره مصادفة عابرة، هو جرس تنبيه ومؤشر مقلق على خلل يتجاوز النصوص إلى ما هو أبعد: غياب التمثيل المؤسسي القادر على تقدير الرواية السعودية، والدفاع عنها، وتقديمها إلى العالم كما تستحق.
ما يزيد من غرابة هذا الغياب أن السعوديين أنتجوا 317 رواية في عام 2024، وفقًا لتقرير منصة «أدب مآب”، وهو من أعلى معدلات إنتاج الرواية في العالم العربي، كمًّا ونوعًا. فكيف يمكن تفسير تجاهل هذا الزخم الكبير من الإنتاج السردي السعودي في قوائم يُفترض أنها تمثل المشهد العربي برمّته؟
قبل شهرين، كتبتُ مقالًا في مجلة اليمامة – ملحق “شرفات” الثقافي، دعوت فيه إلى تأسيس جائزة وطنية للرواية السعودية، ليس بوصفها تكريمًا شكليًا، كان المقصد منه تأسيس مشروعًا ثقافيًا استراتيجيًا يوازي الحراك الإبداعي المتسارع في المملكة، وقراءة لواقع لا يليق به أن يُختزل في تمثيل هش أو هامشي في الجوائز الإقليمية.
الواقع الثقافي العربي يُدار اليوم إلى حد كبير عبر بوابات الجوائز، وهي شئنا أم أبينا أصبحت منصات للتأثير الأدبي، وصناعة النجم، وفرض النص أدبيًا وتسويقيًا. فما لم تكن هناك جائزة سعودية مهنية ومستقلة للرواية، فإن الرواية السعودية ستظل، رغم تفوقها، في موقع المتأخر دومًا، أو على الأقل خارج دوائر الضوء العربي.
وهذا ما تناوله ملف مجلة اليمامة في عددها الصادر في أبريل 2025، حيث أكد كتّاب ونقاد سعوديون بارزون على ضرورة الجائزة الوطنية، كأداة جادة لإعادة بناء المشهد السردي المحلي بمنهجية ورؤية واضحة.
الدكتور معجب العدواني وصف الجائزة بأنها “خلاقة وداعمة”، فيما رأت الدكتورة زينب الخضيري أنها «خطوة كفيلة بتوسيع خريطة الرواية السعودية، وضمان عدالة الحضور في المشهد العربي والدولي».
كما أشار الإعلامي القدير صادق الشعلان إلى أن المملكة تمتلك كل المقومات: الزخم الثقافي، والكتّاب، ودور النشر، والمؤسسات الراعية، ولا ينقصها سوى قرار إداري يعترف بأهمية الرواية كأحد أذرع القوة الناعمة السعودية.
إذن، نحن أمام خيارين: إما أن نستمر في الترقب والانتظار على أبواب الجوائز الإقليمية التي لا تضمن تمثيلًا منصفًا للرواية السعودية، أو أن ننتقل إلى مرحلة التأسيس الجاد والمهني لجائزة وطنية، تحمل اسم المملكة، وتعكس ذائقتها، وتضمن لمبدعيها ما يستحقونه من إشادة وتقدير.
هذه ليست دعوة ضد “كتارا” أو “البوكر” أو غيرهما من الجوائز العربية المرموقة، أنها دعوة لأن نمتلك أدواتنا الثقافية، وأن نمنح الرواية السعودية ما تستحقه من مكان ومكانة، دون أن نخضع لإقصاء أو تحيّز من الآخرين.
إنها دعوة لتأسيس جائزة وطنية تؤمن بأن تكريم الإبداع السعودي لا يكون بانتظار من يتكرم علينا، لكنه بالإيمان والاعتراف بأن الرواية جزء أصيل من الهوية الوطنية، وقوة ناعمة تنبع من هذا الوطن وتُشعّ من داخله إلى العالم.
** **
أحمد السماري - كاتب وروائي