الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حذرت الشريعة الإسلامية من الغضب ونهتْ عنه، إلا إذا كان في الحق، وأرشدتْ منْ يقع فيه ويصير سلوكًا مضرًّا له ولغيره أن يبتعد عنه وعن أسبابه، وتحذر تعاليم الدين الإسلامي من الغضب وتعتبره صفة مذمومة، حيث وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة تحث على تجنبه والتحكم فيه، لأنه قد يؤدي إلى سلوكيات وأقوال غير مقبولة شرعاً، ويُعتبر من الشيطان.
وكشفت الدراسات العلمية أن الأشخاص الذين يعانون من نوبات غضب مستمرة يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض مقارنة مع الآخرين، كما أن نوبات الغضب من شأنها أن تفاقم وتضاعف من أعراض الإصابة بالتوتر.
«الجزيرة» طرحت قضية الغضب المتواجدة في كل مجتمع، وطرق العلاج، على عدد من المختصين؛ فماذا قالوا؟
وقاية وعلاج
بداية يبين الدكتور محمود بن محمد المختار الشنقيطي عضو الدعوة والإرشاد بعض من مخاطر الغضب، ومن ذلك: نهي الرسول صلى الله عليه وسلم صراحةً عن الغضب بقوله: «لا تغضب» (صحيح البخاري 6116)، ومِن خطره أنّه يُفضي إلى القتل والطلاق والقطيعة ويُورِث ندمًا طويلًا؛ قال ابن حجر: «هو أصل كل شر» (فتح الباري 10-520)، ويضعف الإيمان؛ «إنّ الغضب يُفسد الإيمان كما يُفسد الصَّبِرُ العسلَ» (حسّنه الألباني).
ويشير د. محمود الشنقيطي إلى علاجه والوقاية منه قبل تمكنه، من خلال الآتي:
ملازمة الذِّكر {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وخاصةً الباقيات الصالحات التي هي أصول الذكر: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، وكبحُ المُحفِّزات بالصوم والرياضة وقِلّة الكلام؛ قال عمر: «من كثر كلامُه كثر سَخَطُه»، وعند أول شرارة قُل: «أعوذ بالله من الشيطان».
أما علاجه بعد الوقوع، والحديث -للشنقيطي-، فيكون: المبادِرة بالاستغفار وردِّ المظالم والحقوق والاعتذار إذا كنت المتسبب «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (مسلم )، والإكثار من دعاء: «اللهم اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي…»(الترمذي 3492)؛ فالدعاء دواء الغضب وأمَدُّ العون، ومفارقة مكان حدوث الغضب، والخروج والحركة وعدم البقاء في نفس المكان، كما يجب أن تغيِّر هيئتك: من قائمٍ فاجلسْ، فإن لم يَسكن فاضطجِعْ ثم توضّأ؛ فالماء يُطفئ نار الشيطان)، وطبِّق وصيّة: «إذا غضب أحدُكم فليَسْكُت» حتى تمرّ مهلة التهدئة ويرجع العقل ويتزن.
الآثار القانونية
ويؤكد الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الشهري المستشار الشرعي والمحامي القانوني: أن الغضب الشديد قد يكون مدخلًا لمخالفات أو جرائم يُساء فيها استخدام اللفظ أو اليد، مما يعرّض صاحبها للمساءلة الجنائية أو المدنية، ومن ذلك:
* الاعتداء الجسدي: يؤدي إلى توقيف فوري وحكم جزائي، وقد يُصنّف كجناية في حال وجود ضرر بالغ أو دائم.
* الطلاق في حال الغضب الشديد: يثير جدلاً فقهيًا وقانونيًا، وقد يُحدث فرقة لا رجعة فيها إذا تم توثيقه، أو يترتب عليه إثبات نية الطلاق وتبعاته الشرعية والقانونية.
* القذف أو السب العلني: قد ينتج عن انفعال لفظي، ويُعد جرمًا يعاقب عليه النظام بالسجن أو الغرامة أو كليهما.
* الإتلاف العمدي للممتلكات: سواء مال خاص أو عام، يُلزم الفاعل بالتعويض المالي وربما العقوبة الجزائية.
وأبان المحامي عبدالرحمن الشهري: أن القانون لا يُعفي الغاضب من المسؤولية لمجرد أنه كان منفعلاً، إلا إذا بلغ الغضب حد الإغلاق التام للعقل والإرادة، وهي حالة نادرة تُقدّر من قبل الجهات المختصة بناء على تقارير طبية ونفسية.
لذا؛ فإن ضبط النفس وكظم الغيظ ليسا فضيلة دينية فحسب، بل ضرورة قانونية لحماية النفس والغير من العواقب.
سائلاً الله أن يرزقنا وإياكم الحلم والأناة، ويكفينا شر أنفسنا، ويعيننا على كظم الغيظ، وضبط النفس.
مشكلات صحية
ويتأسف الدكتور عروة بن محمد حاميش أخصائي الباطنية وطب الطوارئ بالرياض من أن الكثير من الناس يغضب ويتوتر لأسباب بسيطة ويمكن تفاديها بقليل من التريث وضبط النفس، والنتيجة ليست فقط زيادة المودة بين الناس ولكن صحة وعافية ووقاية من العديد من المشكلات الصحية والمضاعفات التي تؤثر سلباً على صحتك وفكرك ونشاطك، مشيراً إلى بعض المشكلات الصحية الناجمة عن الغضب، ومنها: تأثير الغضب على القلب والأوعية الدموية، وزيادة ضغط الدم: الذي يؤدي إلى إفراز الأدرينالين والنورأدرينالين، مما يرفع ضغط الدم بشكل حاد، مع تسارع ضربات القلب: حيث يبدأ في الخفقان بشكل أسرع، مما يزيد من الجهد عليه، وزيادة خطر النوبات القلبية: فالغضب المتكرر أو الشديد يرتبط بزيادة احتمال حدوث جلطة في عضلة القلب أو الذبحة الصدرية، وكذلك ارتفاع خطر السكتة الدماغية نتيجة تأثر الأوعية الدموية الدماغية، مع تأثير الغضب على الجهاز العصبي، وزيادة التوتر العضلي، وحدوث تقلبات مزاجية، وكذا نوبات قلق أو نوبات هلع في بعض الحالات، وكذلك ضعف التركيز والذاكرة المؤقتة، كما أن تأثير الغضب على الجهاز الهضمي، حيث تزداد حموضة المعدة مما يؤدي إلى حرقة المعدة أو تفاقم قرحة المعدة، وعسر الهضم بسبب تغير تدفق الدم إلى المعدة، وربما الإسهال أو الإمساك نتيجة التأثير على حركة الأمعاء.
ويضيف أخصائي الباطنية إلى أنه يمكن أن يؤدي الغضب المزمن إلى متلازمة القولون العصبي، كما يؤثر الغضب على النوم، حيث يكون صعوبة في النوم أو الأرق، مع أحلام مزعجة أو كوابيس، وتقطُع النوم بسبب القلق الناتج عن الغضب، وللغضب تأثير على الصحة النفسية، وزيادة القلق والاكتئاب. ويضعف العلاقات الاجتماعية، حيث الإحساس الدائم بعدم الراحة أو التعب بعد نوبات الغضب.
ويحدد د. عروة حاميش طرقا للحد من تأثير الغضب، ومنها: ممارسة تمارين التنفس العميق أو التأمل، والرياضة بانتظام (خصوصاً المشي أو الجري)، وتحديد المثيرات ومحاولة تجنبها.