الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد الأستاذ وليد بن محمد الغامدي المحامي والخبير في القطاع غير الربحي أن إعادة الاعتبار للأوقاف وتفعيل دورها الاجتماعي ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة تنموية وأخلاقية، ولو أُعيد تفعيلها بطريقة عصرية، تراعي شروط الواقفين وتستفيد من أدوات الحوكمة والاستثمار، لأمكن للأوقاف أن تسهم بفاعلية في معالجة مشكلات مزمنة مثل: الفقر، والبطالة، وضعف التعليم.
وشدد الخبير الوقفي المحامي وليد الغامدي في حديثه لـ»الجزيرة»: أن ما تحتاجه الأوقاف اليوم ليس فقط الحماية القانونية بل رؤية جديدة تعيد لها دورها كمصدر قوة وتكاتف للمجتمع، وما قامت به القيادة الرشيدة في ظل رؤية 2030 من تفعيل دور الهيئة العامة للأوقاف، لهو مصدر فخر واعتزاز كبير في إعادة مكانة الأوقاف لسابق عهدها للإسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لتكون المملكة العربية السعودية الدولة الرائدة عالمياً في الأوقاف-بإذن الله تعالى.
وأبان المحامي وليد الغامدي أنه على مدار قرون، كانت الأوقاف الإسلامية ولا تزال واحدة من أعظم أدوات التكافل الاجتماعي والتنمية المستدامة في العالم الإسلامي، فقد أنشأ المسلمون آلاف الأوقاف التي موّلت التعليم والصحة، ورعت الفقراء والمساكين، وأسهمت في بناء المستشفيات والمساجد والمدارس والمرافق العامة، كل ذلك دون الاعتماد على الدولة أو طلب الدعم من جهة خارجية، حيث كان يقتصر دور الدولة في حفظ الأمن الداخلي والخارجي أما مؤسسات المجتمع المدني فتتكفل به الأوقاف، مشيراً إلى أن هذه المنظومة القوية لم تسلم من العبث حين دخلت قوى الاستعمار الأوروبي إلى أراضي المسلمين في القرن الثامن عشر، إذ لم يكن الاستعمار مجرد احتلال عسكري، بل كان مشروعًا متكاملًا لضرب الهوية الثقافية والدينية، واستغلال جميع الموارد، وأحد أبرز ضحاياه كان «الوقف الإسلامي».
حيث عمدت القوى الاستعمارية، خصوصًا البريطانية والفرنسية، إلى تفكيك منظومة الوقف، عبر قوانين مقيدة، واستيلاء مباشر على الأوقاف وتحويلها لمصالحها، أو دمجها في أملاك الدولة، كما تم إضعاف دور القضاة والنظار المستقلين في الإشراف على الأوقاف، واستبدالهم بموظفين تابعين للحكومات الاستعمارية همهم الوحيد استغلال الأوقاف؛ ففي الجزائر مثلاً، صادرت فرنسا كثيرًا من أوقاف المساجد والمدارس، وحوّلت بعضها إلى ثكنات عسكرية أو مدارس تبشيرية، وفي مصر فرضت بريطانيا رقابة شديدة على إدارة الأوقاف، حتى أصبحت أداة بيروقراطية جامدة بعد أن كانت مؤسسة مرنة وقوية، مما أدى هذا التدخل إلى شل دور الوقف في تمويل التعليم ورعاية المحتاجين، وترك المجتمعات تواجه الفقر والجهل دون دعم أو تدخل، كما فُقدت آلاف العقارات الوقفية، واندثر الكثير من ثقافة الوقف في الوعي العام، والأسوأ أن بعض آثار الاستعمار لا تزال حاضرة في بعض الدول حتى اليوم، حيث تتعامل مع الوقف بنفس الروح المركزية التي فرضها المستعمر، ما جعل الأوقاف أصولًا معطلة بدل أن تكون أداة فاعلة في التنمية الاجتماعية.