الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
جاءت التوجيهات النبوية محفزة وحاثة على التخلق بالخلق الكريم، لكن مما يؤسف له أننا نرى التجهم والعبوس على وجوه البعض، وهي سلوكيات لا تمثل أخلاق الإسلام، ولا مراميه، وتلكم السلوكيات مخالفة للمنهج النبوي الذي يؤكد على طلاقة الوجه، والبعد عن العبوس والتجهم.
ويؤكد الباحثون المختصون أن قسمات الوجه وتعابيره من أهم الوسائل التي تبعث في النفس المشاعر الإيجابية أو السلبية بحسب حسن تلك التعابير أو قبحها، كما أن العبوس والتجهم يبعثان على الأسى، ويعودان عليه بالحسرة، والمؤمن بجلب الخير للناس، ودفع الشر عنهم.
«الجزيرة» طرحت تلك القضية على عدد من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والطبية؛ فماذا قالوا؟
سماحة ويسر
يقول الدكتور عمر بن عبدالله المشاري السعدون كاتب العدل: الإسلام دين السماحة واليسر لا يرفض الضحك، ولا يمنعه، وإنما يقبل منه ما يقوي أواصر الود والترابط بين أفراد المجتمع المسلم، وما يخفف من هموم النفس وآلامها ومتاعبها.
والإسلام دين الفطرة يحرص على رسم الابتسامة الدائمة على شفاه المسلمين، ويجعل بشاشة الوجه سمة أساسية من سمات المؤمن الصالح، بل جعل الابتسامة صدقة كما جاء في الحديث: (وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة).
والابتسامة الصافية دليل على الود والصداقة، وحسن المعاملة وحسن النية، وهي تساعد على التلطف والمشاركة بين أفراد المجتمع.
والضحك يفرج الكروب، ويروح عن النفس، وينشط العقول والأذهان، ويريح الأعصاب، ويخلص العضلات من التوتر، ويحافظ على التوازن النفسي للإنسان.
سُئل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: هل كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحكون؟ قال: نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل، ويقول ابن عيينة: البشاشة مصيدة المودة، والبر شيء هين: وجه طليق وكلام لين.
وسُئل الصحابي جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: أكنت تجالس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ قال: نعم، كثيرًا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويبتسم. رواه مسلم.
ويشير د. عمر السعدون إلى أن العبوس الدائم والتجهم من علامات مخالفة الأوامر الشرعية ومخالفة لسمات المؤمن الذي يوصف بأنه هيّن لين.
فلم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عابس الوجه قاطب الجبين، كما يظن كثير من الناس، ولكن كان للضحك والمرح جزء من حياته خاصة مع الناس، أما الخوف والبكاء فكان فيما بينه وبين الله دعاء واستغفارًا وتضرعًا، أو رحمة لمصاب المسلمين.
وكان ضحكه -صلى الله عليه وسلم- لا يتنافى مع الحق فهو لا يضحك للباطل.
البشاشة والالتزام
يؤكد الدكتور عبدالرزاق بن حمود الزهراني أستاذ علم الاجتماع: أن الإسلام منهج حياة متكامل، وهو دين الأخلاق والتفاؤل والإيجابيات والبناء، وقد دعا الإسلام اتباعه أن يتحلوا بالأخلاق النبيلة والقيم الراقية، يقول الله تعالى في وصف رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (وإنك لعلى خلق عظيم)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ويقول: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وقد كتب الألمان هذه العبارة في لوحات كبيرة ونصبوها في الميادين العامة، وكتبوا تحتها (محمد).
وقد قلت في مقطوعة شعرية بعنوان: (تبسم).
تبسم وسامح واجعل الصدق رائداً
لمنهجك السامي مع الله والناس
تبسم وكن كالورد يبذل عطره
لمن رام أسباب الحياة بإحساس
تبسم فخير الخلق قد كان قدوة
بأخلاقه يسمو ولان له القاسي
تبسم بلا منٍّ ودون تكلُّف
وكن في عيون الناس كالجبل الراسي
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن أحبَّكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العنت). رواه أبو هريرة وصححه الألباني.
ومعنى (الملتمسون للبراء العنت) الذين يطلبون للبريء السالم المشقة والفساد، يريدون أن يلطخوا المطهرين السالمين بما عافاهم الله منه من الآثام والعيوب، وهذا الحديث له صيغ كثيرة تؤدي المعنى نفسه.
ويشير د. عبدالرزاق الزهراني إلى أنه من حسن الخلق لقاء الناس بالبشاشة والابتسام والوجه المشرق، والابتعاد عن التجهم والعبوس عند لقاء الآخرين، ولكن مع تسارع الحياة، وكثرة مشاغلها، وضغوطها، والبعد عن الله إلا من رحم، بدأت ظاهرة العبوس والتجهم تنتشر، وهي مخالفة لتعاليم الإسلام التي ذكرناها آنفاً، نسأل الله أن يعمر مجتمعاتنا بالتسامح والأخلاق الراقية والإخاء والمحبة، وألا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، والله أعلم.
مشاعر سلبية
يوضح الدكتور فواز بن عبدالرحمن الحوزاني أخصائي الأمراض الباطنية بالرياض: أن الشخص العبوس هو الذي يتميز بملامح وجه عابسة أو متجهمة، وغالباً ما يعكس عدم الرضا أو الاستياء أو الحزن أو القلق ويمكن أن يكون العبوس تعبيراً عن مجموعة واسعة من المشاعر السلبية، بما في ذلك الغضب والارتباك والتشاؤم، وقد يشير التجهم والعبوس إلى احتقار الآخرين والنفور منهم، وهذا السلوك الأخير يقطع العلاقة بين الناس ويوترهم ويدفعهم إلى مبادلة من يتعامل معهم بجفاء.
أسباب العبوس
يبين د. فواز الحوزاني أن عبوس الوجه له أسباب عديدة، منها ما هو نفسي ومنها ما هو جسدي.
1 - تعبيرات الوجه: تعبيرات الوجه المتكررة مثل: العبوس، التبسم، أو الغضب، يمكن أن تترك علامات مرئية على الوجه مع مرور الوقت، حيث أن تكرار حركة عضلات الوجه يؤدي إلى ظهور خطوط وتجاعيد في مناطق معينة.
2 - عوامل نفسية: الضغط النفسي والتوتر والقلق والاكتئاب يمكن أن تظهر على شكل عبوس في الوجه.
3 - عوامل جسدية وخارجية: التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة دون حماية يؤدي إلى ظهور التجاعيد وخطوط العبوس، كما أن التلوث والأتربة وعوامل الأكسدة الضارة بالبشرة تساهم في ظهور علامات العبوس، كما أن عدم ترطيب البشرة بشكل كافٍ، ونقص شرب المياه، والتدخين، واتباع نظام غذائي غير صحي، كلها عوامل تسرع من ظهور التجاعيد وخطوط العبوس.
4 - قد يكون هناك سبب طبي مثل: شلل بل (شلل العصب السابع)، تشنج الوجه النصفي، وهي حاله طبية يحدث فيها تشنج في عضلات الوجه.
5 - عوامل أخرى: التقدم في السن وفقدان مرونة الجلد من العوامل الطبيعية التي تؤدي إلى ظهور التجاعيد وخطوط العبوس.
6 - العامل الوراثي: يلعب دوراً في ظهور التجاعيد، حيث إن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالتجاعيد أكثر عرضة للإصابة بها.
7 - الظروف الاجتماعية: الفقر والبطالة والعلاقات السيئة.
صفات العبوس
أما صفات الشخص العبوس -والحديث للدكتور الحوزاني- فتشمل: ملامح الوجه: تجهم الوجه، تقطيب الجبين، تجعد الحاجبين، وشد الشفاه، والمزاج: الميل إلى الكآبة، والتشاؤم، وسوء المزاج، والتواصل: صعوبة في التواصل، وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر بشكل إيجابي، والتفاعل الاجتماعي: تجنب التواصل مع الآخرين، والانعزال، والسلوك: إظهار عدم الرضا، والانزعاج، والشكوى، ومن الناحية الطبية فإن العبوس المستمر قد يؤثر سلباً على صحة الشخص وعلاقاته الاجتماعية، وقد يكون من المفيد البحث عن أسباب العبوس ومحاولة معالجتها.
العبوس هو تعبير وجهي ينشأ عن تقلص عضلات معينة في الوجه، خاصةً العضلة الغاضبة التي تقع بين الحاجبين، هذا التقلص يسبب ظهور خطوط وتجاعيد في منطقة الجبين وبين الحاجبين، تُعرف باسم خطوط العبوس أو خطوط التجهم، والعبوس والتجهم، على الرغم من كونهما تعبيرين وجهيين طبيعيين، إلا أن العبوس المتكرر قد يؤدي إلى بعض الأضرار الطبية على المدى الطويل. ومن أبرز هذه الأضرار هي - ظهور تجاعيد العبوس: العبوس المتكرر، خاصة بين الحاجبين، يؤدي إلى تفعيل وانقباض عضلات الوجه بشكل مستمر، مما قد يتسبب في ظهور تجاعيد وخطوط عميقة في هذه المنطقة مع مرور الوقت، والتأثير على الحالة المزاجية: أظهرت دراسات أن العبوس قد يؤثر على الحالة المزاجية للشخص، حيث يمكن أن يجعله يشعر بمزيد من السلبية أو الانزعاج، بالمقابل فإن الابتسامة قد تساهم في تحسين المزاج، وكذلك آلام الرقبة والصداع: العبوس والتجهم قد يؤديان إلى شد عضلات الوجه والرقبة، مما قد يسبب آلامًا في الرقبة أو صداعًا، وإجهاد عضلات الوجه: العبوس المستمر يسبب إجهادًا لعضلات الوجه، مما قد يؤدي إلى الشعور بالتعب أو الألم في هذه المنطقة، وتغيرات في تعابير الوجه: العبوس المتكرر قد يجعل الشخص يبدو أكثر غضبًا أو انزعاجًا، حتى عندما لا يشعر بهذه المشاعر.
نصائح مهمة
يقدم د. فواز الحوزاني أخصائي الباطنية بالرياض بعض النصائح للحد من أضرار العبوس منها: محاولة التحكم في تعابير الوجه، ويمكن التدرب على التحكم في تعابير الوجه ومحاولة تجنب العبوس غير الضروري، كما أن ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل: التأمل واليوغا، تساعد في تقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية، ويمكن للشخص الذي يعاني من تجاعيد العبوس أو آلام الرقبة بسبب العبوس، أن يستشير الطبيب للحصول على العلاج المناسب، مثل: حقن البوتوكس لتنعيم التجاعيد، مشدداً على أن لنا في التوجيه النبوي أسوة حسنة حيث قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» فالإسلام يعتبر أن العبوس والتجهم من الصفات غير المحبوبة، ويُنصح المسلمين بالبشاشة والطلاقة في الوجه؛ فالعبوس قد يؤدي إلى نفور الناس وسوء الظن، بينما الابتسامة والوجه البشوش يعكسان سماحة الإسلام وأخلاق المسلم.