الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
على الرغم من أن التقنية والذكاء الاصطناعي قدما قفزات هائلة للبشرية، إلا أن الاعتماد عليها بشكل كامل قد يكون خطراً يهدد حياة الإنسان.
ومن المخاطر الكبرى التي يجب التصدي لها، ما يعرف بالإسلاموفوبيا الرقمية، حيث تستخدم بعض أدوات الذكاء الاصطناعي لنشر معلومات مغلوطة عن الإسلام وتشويه التشريعات الإسلامية، كما هو الحال حينما أصبحت شبكة الإنترنت «عيادة مفتوحة» لكل من يبحث عن تشخيص أو علاج.
«الجزيرة» استطلعت رأي مختصين في العلوم الشرعية والطبية حول ذلك، والواجب عمله من قبل الجهات والهيئات المعنية.
ضرورة حتمية
يقول الدكتور عبدالله بن محمد الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم: نعيشُ اليومَ طَفْرَةً عِلْمِيَّةً، وقفزة تِقَنِيَّةً ومَعْرِفِيَّةً، وتَطَوُّرٌ هَائِلٌ في عُلُومٍ شَتَّى، ومَعَارِفَ عِدَّة، مَا بينَ عُلُومِ الآَلَةِ والعُلُومِ الْعَسْكَرِيَّةِ والهَنْدَسِيَّةِ والتُّكْنُولُوجِيَّةِ والْخَدَمَاتِ الرَّقْمِيَّةِ الَّتِي اخْتَصَرَت المَسَافَات، وَوَفَّرَت الْجُهُودَ والأَوْقَات، وهَذِهِ الطَّفْرَةُ، وتلكَ القفزة، هِيَ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الَّتِي تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، قَالَ تعالى: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) النساء: (113).
وهذِه التُّكْنُولُوجيَا المتطورة بَاتَتْ جُزْءً أَصِيلًا مِنْ حَيَاتِنَا، وَضَرُورَةً حَتْمِيَّةً في مُعَامَلاتِنَا، كَمَا أَنَّهَا أَضْفَتْ عَلَى حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّة مَزِيدًا مِنَ الرَّاحَةِ، وجُمْلَةً مِنَ النِّعَمِ يَنْبَغِي علينَا اسْتِشْعَارهَا، والتَّحَدُّثُ والثَّنَاءُ على اللهِ -عزَّ وجلَّ- بهَا، قالَ تعَالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) الأحزاب: (9).
ويؤكد د. الطيار أن أَبْرَزُ مَظَاهِرِ الطَّفْرَة التُّكْنُولُوجِيَّةِ مَا يُسَمَّى بِالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ وَهُوَ أَكْوَادٌ بَرْمَجِيَّةٌ، وَخَوَارِزْمِيَّاتٌ تِقَنِيَّةٌ، جَعَلَتْ مِنَ الآَلَةِ عَقلًا يُنَاقِشُ وَيُحَاوِرُ، يُحَلِّلُ وَيُعَلِّلُ، يَسْتَنْبِطُ المعلومات، ويُجِيبُ عن شَتَّى التَّسَاؤُلاتِ، يَتَحَدَّثَ ويَنْطِقُ بِشَتَّى اللُّغَاتِ، ومُخْتَلَفِ اللَّهَجَاتِ، وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الجاثية: (13).
ومع تسارع أدوات الذكاء الاصطناعي أصبح للإعلام الرقمي، ومنصات التواصل تأثير عميق في تشكيل الرأي العام، وتوجيه الوعي الاجتماعي في مختلف البلدان من خلال ما يسمى بالترند، والهاشتاج، وغير ذلك من المواضيع التي يطرحونها على ساحة النقاش المجتمعي؛ لتخدم أهدافهم، وتؤسس لمخططاتهم وأفكارهم، مشيراً إلى أن هذه التقنية أضحت آلة حربية في يد القائمين عليها، والمستخدمين لها، وحيث إن القائمين على تلك التقنية، والمطورين لها، والقائمين على تطويرها وتحديثها من غير المسلمين، فقد وظفوها لخدمة أهدافهم، ونشر أفكارهم الخبيئة حول الإسلام والمسلمين، من خلال فرض جدليات وخوارزميات، وتضييق وقيود على المحتويات الهادفة والتي تعنى بنشر الإسلام بصورة صحيحة وفق ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة.
بينما تعزز وتوطد المحتويات التي تحرض ضد الإسلام وأهله، وتنشر المفاهيم الخاطئة، والصورة المغلوطة حول الإسلام والمسلمين، وهذه تعيد للأذهان تلك الظاهرة المثيرة للقلق في هذا السياق: تنامي الإسلاموفوبيا، والتي تعني: الخوف أو الكراهية أو التحيز ضد الإسلام والمسلمين، حتى ظهر في إحدى الاستبيانات أن تلك الأداة تصنف بعض المحتويات الدينية على أنها محتوى إرهاب وتطرف، مما يؤكد أن تلك الأداة تستخدم لخدمة أغراض معينة.
ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولا سيما في مجالات تحليل البيانات، وتوليد المحتوى، والتعرف على الأنماط، برزت إشكالية جديدة: هل تُستخدم هذه التقنية -الذكاء الاصطناعي- لخدمة خطاب الكراهية ضد الإسلام وتوطيده والتأسيس له؟
من السابق لأوانه الإجابة عن هذا السؤال الآن قبل أن تستكمل الصورة عن هذه التقنية، والقائمين عليها، وسبل تطويرها، والمستفيدين منها، وأثرها على المجتمعات الإسلامية، ومن هنا: نستطيع القول إنَّ المشكلة لا تكمن في تقنية الذكاء الاصطناعي، كأداة تكنولوجية متطورة، بل تكمن في القائمين عليها، والمستخدمين لها، والأهداف التي يحققها، فالأداة ليست متحيزة لا شك في هذا، إنما المقال في استخدامها، وتوجيهها.
دراسة وبحث
وشدد د. عبدالله الطيار على أنه من الواجب علينا التحرز من تلك التقنية في الاعتماد عليها، والاستغناء بها، والحذر والحيطة من البيانات والتحليلات التي تصدرها تلك التقنية، وعدم التصديق بها إلا بعد دراسة وبحث، وتحرٍّ وتروٍ، فهذه التقنية تصدر المعلومات وفق الأكواد والخوارزميات البرمجية التي قامت عليها، وهذه الأخيرة عمل بشري، خاضع للتوجهات والمصالح، يمكن توجيهه، والاستفادة منه،
وبالجملة.. فإن تقنية الذكاء الاصطناعي تقنية متطورة غير منحازة، تبني بياناتها وتحليلاتها.
سائلاً الله -عز وجل- أن يحفظ بلادنا من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وسائر بلاد المسلمين.
الذكاء الاصطناعي.. أداة لا بديل
يؤكد الدكتور طلال بن محمد أحمد أخصائي الجراحة العامة بالرياض: أن التقنية والذكاء الاصطناعي قدّما قفزات هائلة في مجال الصحة، إلا أن الاعتماد عليهما بشكل كامل قد يكون خطرًا يهدد حياة الإنسان، مشيراً إلى أن تثقيف النفس صحيًا عبر الإنترنت أمر إيجابي، لكن الخطر يبدأ حين تتحول هذه المعلومات إلى تشخيص ذاتي وعلاج منزلي دون الرجوع إلى الطبيب؛ فالأعراض قد تتشابه، والأمراض قد تختبئ خلف مظاهر مضللة، وأي تأخير في التشخيص الصحيح قد يؤدي إلى تفاقم الحالة أو فقدان فرصة الشفاء المبكر.
وقال د. طلال أحمد أخصائي الجراحة العامة بالرياض: إن الذكاء الاصطناعي قادر على تحليل كميات هائلة من البيانات، لكنه لا يملك العين الخبيرة ولا اللمسة الإنسانية للطبيب؛ فهو لا يعرف تاريخك الصحي بدقة، ولا يقرأ لغة جسدك، ولا يربط الأعراض ببيئتك وحياتك، والأخطر أن بعض الإجابات قد تُبنى على معلومات ناقصة أو غير محدثة، ما يضع المريض أمام مسار علاج خاطئ قد يكلّفه حياته، ومن أبرز المخاطر التي قد تواجه من يعتمد على التشخيص الإلكتروني تأخر التدخل الطبي الصحيح، وتناول أدوية غير مناسبة أو خطيرة، والاطمئنان الزائف وإهمال الأعراض الخطيرة، والتعرض لمعلومات مغلوطة أو غير علمية.
وشدد د. طلال أحمد على أن الوعي الصحي مسؤولية الجميع، ووزارة الصحة والجهات الطبية تبذل جهودًا ضخمة لنشر الوعي، لكن المسؤولية تبدأ من الفرد، والتقنية ليست عدوًا، لكنها سلاح ذو حدين؛ استخدمها لتثقيف نفسك، لا لعلاج نفسك، وعند أي عارض صحي، اجعل خيارك الأول زيارة الطبيب المختص، وليس محرك البحث أو روبوت المحادثة.
وقال في ختام حديثه: في الطب، المعلومة الخاطئة قد تكون أخطر من الجهل، والطبيب، وليس الخوارزمية، هو القادر على قراءة جسدك وروحك معًا.
فاحمِ نفسك.. واستشر مختصًا.