الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
ينهى الإسلام عن الزعل والحزن المستمرين باعتبارهما مدخلاً للشيطان لإدخال اليأس والقلق على الناس، ويدعو إلى التفاؤل والتوكل على الله، حيث إن الزعل والحزن المستمرين لهما عواقب صحية وخيمة على الفرد، وتثبيط للهمة.
«الجزيرة» استطلعت رؤى عدد من المختصين في العلوم الشرعية والطبية حول تلك القضية الموجودة في كل مجتمع.
ابتلاء واختبار
يقول الدكتور مقبل الرفيدي الحربي عضو هيئة التدريس بالمسجد النبوي الشريف: إن طبيعة الإنسان في هذه الحياة الدنيا متقلبة بين صحة ومرض وعافية وبلاء وفرح وحزن ورضا وزعل، ومن آمن بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وبالإسلام ديناً علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وآمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (11) سورة التغابن.
والإنسان يبتلي على حسب دينه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي في الأرض وليس عليه خطيئة كما في الحديث، ومن أحبه الله ابتلاه ليعظم أجره بشرط الرضا بعد القضاء قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (155-157) سورة البقرة. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
طبيعة البشر
ويشير د. مقبل الحربي إلى أن الحزن والألم والزعل من طبيعة البشر ولما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم حزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عبدالرحمن بن عوف عيني النبي صلى الله عليه وسلم تذرفان الدمع فقال له: وأنت يا رسول الله؟ قال: يا ابن عوف إنها رحمة. ثم أتبعها رسول الله بأخرى وقال: «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
والمسلم يصبر على ما أصابه ويسترجع ويرضى عن ربه جلّ وعلا فيما قضى وقدر، فلا الزعل يشفي ما في القلوب من ألم ولا الحزن راد لما مضى به القضاء والقدر والصبر على أقدار الله من عزم الأمور وفي صبره واحتسابه تكفير للسيئات ورفع للدرجات قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ» رواه أحمد وأبوداود صححه الألباني.
ونهى الإسلام عن الحزن وتجديده والزعل وترديده والتسليم بالقضاء واصبر على ما أصابك فإن ذلك من عزم الأمور، لكن بعض الناس قد يلازمه الحزن فتراه حزيناً مكتئباً قلقاً وهذا مدخل للشيطان ليفسد على الإنسان قلبه وطمأنينته، ويضعف عزيمته ويثبطه عن العمل ويجعله دائم الشكوى والتذمر لو أني فعلت كذا وتركت كذا، بل ويفتح باب الاعتراض على القضاء والقدر فيقول: لماذا أنا ولم أصابني كذا، وعلى المبتلى أن يحسن ظنه بربه جلّ وعزّ ويصبر ويلجأ إليه وحده ويكثر من الدعاء عند نزول البلاء ويكثر من ذكر الله تعالى، ويشغل وقته بعبادة الله تعالى وذكره وشكره ويقطع وساوس الشيطان بترك استرجاع الماضي، فأمس قد مضى واليوم عمل وغداً أمل، وأن يكون متفائلاً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفال قيل: وما الفال؟ قال صلى الله عليه وسلم: الكلمة الطيبة.
الهم والحزن
ويرى الدكتور محمد بن سعد الحنين عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الحزن نقيض الفرح، وهو خلاف السرور، فهو الغمّ الحاصل لوقوع مكروه أو فوات محبوب.
والهم والحزن قرينان، وهو الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى فهو الحزن، وإن كان على ما يستقبل فهو الهم.
والحزن من العوارض التي تطرأ على الإنسان، فهو من لوازم الطبيعة البشرية، التي لا تختص بمرحلة زمنية اجتماعية دون مرحلة أخرى.
المبالغة في الحزن
ويشير د. محمد الحنين إلى وصف أحد المؤلفين في أحوال العرب قبل الإسلام صورة هذه الظاهرة في حياتهم: نستطيع أن نقول: إن الحزن أظهر في حياتهم من الفرح، وأن المبالغة في إظهاره عندهم هي من المظاهر البارزة في مجتمعاتهم.
وطالما يلجأ الحزين إلى المبالغة في حزنه، ليظهر نفسه وكأنه كان أكثر الناس تحملاً للمصائب والأهوال والنكبات.
وفقدان المال بعد ثراء وغنى وجاه والعلل والأسقام التي تنزل بالإنسان، والكوارث والموت وأمثال ذلك، هي مما يثير الحزن والأشجان في النفس، فتجعل الإنسان يحزن على ما أصابه ويظهر جزعه أو تحمله للآلام أمام الناس، وذلك بمختلف أساليب التعبير عن الحزن الذي نزل بالحزين. ا. هـ.
والحزن قد يخرج عن كونه حالة طبيعية إلى أن يتعمق بالنفس فيصل بها إلى الإحساس بالكآبة واليأس من الحياة.
وإذا أردنا أن نلخص المنظور القرآني والسنة النبوية لهذه الظاهرة الخطيرة نجد أنه جعل ذلك بلية من البلايا التي يسأل الله كشفها ودفعها، وليس من مقامات الإيمان، ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه جزاء ولا ثوابا، بل نهى عنه في غير موضع كما قال سبحانه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ}.
حزن المؤمن
واسترسل د. محمد الحنين في حديثه قائلاً: وأثبت بأنه يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن كما في قوله سبحانه: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال». أخرجه البخاري.
وأما أسباب هذا النوع من السلوك على الفرد وعلاجه فقد كشفها أرباب الأقلام ممن لهم عناية بالقرآن والسنة وعلم النفس والسلوك الإنساني، حيث بينوا أنَّ من أعظم أسبابه الإعراض عن الله تعالى، وتعلّق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبّة سواه، فإنّ من أحبّ شيئا غير الله عذّب به، وسجن قلبه في محبّة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالا، ولا أنكد عيشا، ولا أتعب قلبا. ومحبّة غير الله سبحانه هي عذاب الروح، وغمّ النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء.
وأهم ما يتفطن له في علاج الهم والحزن إن كانت النفس شريفة كبيرة ألا تفكر فيه، بل تصرف فكرها إلى ما ينفعها، من عبودية الله فيه- بالإيمان بالقضاء والقدر فيما مضى من المكروه، والتوكل على الله- فيما يتوقع في مستقبل أمورها.
ومما يعين علاجه أيضاً معرفة الله بأسمائه وصفاته؛ فإن من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب.
وكما أولى علماء الشريعة والسلوك هذه الظاهرة بالبيان، لم تقصر أقلام الحكماء عن لطائف معينة في التعامل مع أسبابه. فإن سد دواعيه طرد له: فكم من نفس سالية عنه، أتاها من تذكر المزعجات من الحوادث المكروهة من الأيام الخوالي.
ذكر الميداني في الأمثال: «الهم ما دعوته أجاب»: يضرب في اغتنام السرور. أي كلما دعوت الحزن أجابك، أي الحزن في اليد، فانتهز فرصة الأنس».
والفائت يحزنك ولا يعود: يقول المتنبي -رحمه الله-:
فَما يَدومُ سُرورٌ ما سُرِرتَ بِهِ
وَلا يَرُدُّ عَلَيكَ الفائِتَ الحَزَنُ
ومما يعين على سد باب الهم ما يقع من حوادث، أو تصرفات في الحياة اليومية لبعض الناس، فتلقي بغمومها على الآخرين، ولو أحسنوا قراءتها بعقل حكيم لسلموا من همومها:
وفي ذلك يقول حكيم الشعراء -المتنبي- رحمه الله:
تصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ
عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ
وَلمَنْ يُغالِطُ في الحَقائِقِ نفسَهُ
وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فتطمَعُ
يقول شارح ديوانه العكبري -رحمه الله-:
إن الحياة لا تصفو لمن يلحظ الدنيا بعين المعرفة، ويتأملها تأمل الدراية والتجربة، وإنما تصفو لجاهل لا يعرف عواقبها فيتوقعها، أو غافل لا يمتثل تصاريفها فيتذكرها.
وتصفو الدنيا لمن يكابر فيها عقله، وتحسن عند من يغالط فيها نفسه، ويسومها المحال فتركن إليه، ويمنيها إياه فتعتمد بأملها عليه.
تأثير على التنفس
ويؤكد الدكتور عادل بن عبد التواب الشناوي استشاري الأمراض الصدرية بالرياض أن النكد والزعل يأثران سلبياً على التنفس، لأن التوتر والقلق يجعلان التنفس يبقى أسرع وأقل عمقا، وهذا ممكن يسبب شعور بضيق في الصدر، أيضاً الحالة النفسية تتأثر، ويقل مستوى الراحة والاسترخاء، وبالتالي يكون فيه تأثير عام على الصحة النفسية والجسدية، مشيراً إلى أن النكد والزعل ممكن أن يكون لهما تأثير أكبر على الأشخاص الذين لديهم أمراض تنفسية مزمنة مثل: الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن، لأن التوتر يزود من حدة الأعراض مثل: ضيق التنفس وضيقة الصدر.
وشدد د. عادل الشناوي استشاري الصدرية بالرياض على أنه من الأهمية بمكان أن يحاول المصابون بهذا الداء أن يخففوا من مصادر التوتر لكي يحافظوا على استقرار حالتهم التنفسية.