عبدالسلام أبو طبيخ وديفد أزوبيل.. دراسة مقارنة في التعلم الاستقبالي ذو معنى
التعلم المستمر هومفتاح النجاح في عالمٍ متغيرٍ. ولذا دأبت وزارة التربية في ظل حكومتنا الرشيدة على التطوير في شتى المجالات ومن ذلك تطوير طرق التدريس عن طريق إنشاء عمادات ومراكز للتطوير الأكاديمي، وشجعت المعلمين على امتلاك الشهادات والرخص المهنية في مجالهم لتحقيق أهداف الرؤية 2030م.
نظرية التفسير القائم على المعنى: تعود إلى عالم النفس ديفيد أزوبيل حيث حاول من خلال هذه النظرية تفسير كيف يتعلم الفرد المادة اللفظية المنطوقة والمقروءة (أزوبيل، 1970).
ملامح النظرية:
منظومة التعلم عند أزوبيل تعتمد على مستويين رئيسين هما:
المستوى الأول: يرتبط بأساليب تعلم الفرد وبالتحديد الأساليب أو الطرق التي يتم من خلالها تهيئة وإعداد المادة التعليمية المراد تعلمها أو عرضها على المتعلم في الموقف التعليمي وتتخذ هذه الأساليب شكلين الأول هو أسلوب (العلم الاستقبالي) والشكل الثاني هو (التعلم الاكتشافي).
المستوى الثاني: يرتبط بكيفية تناول المتعلم ومعالجته للمادة التعليمية المعروضة عليه حتى تصبح مهيئة ومعدة للاستخدام أو الاستدعاء في الموقف التعليمي التالي، فإذا قام المتعلم بالاحتفاظ بالمعلومات الجديدة للمادة التعليمية بواسطة دمجها أو ربطها ببنيته المعرفية وهي مجموعة من الحقائق والمعلومات والمعارف المنظمة التى تم تعلمها في مواقف تعليمية سابقة كما يعني اندماج وتكامل المعلومات الجديدة مع البنية المعرفية للمتعلم وتكوين بنية معرفية جديدة فإن التعلم في هذه الحالة يعرف في التعلم ذي المعنى أما إذا قام المتعلم باستظهار المادة التعليمية وتكرارها بدون فهم حتى يتم حفظها دون الاهتمام بإيجاد رابطة بينها وبين بنيته المعرفية فن التعلم في هذه الحالة بالتعلم الصم، وهنا لا يحدث أي تغيير في البنية المعرفية للمتعلم. (عبدالكريم اليماني، 2009م).
دمج الطالب للمعلومات المقدمة له بصورتها النهائية في بنيته المعرفية..
تعلم استقبالي ذو معنى
اكتشاف الطالب للمعلومات المقدمة إليه بصورتها النهائية في بنيته المعرفية
تعلم اكتشافي ذو معنى
حفظ صم ويحدث عندما تقدم المعرفة فيحفظها دون ربطها ببنيته المعرفية.. تعلم استقبالي قائم على الحفظ يحدث عندما يصل المتعلم بنفسه للمعلومة تعلم اكتشافي قائم على الحفظ
هذا باختصار هو الخط العريض -عندي على الأقل- لمفهوم نظرية التعلم الإستقبالي ذي معنى، وإلا هناك تفاصيل أكثر لنظرية أزوبيل.
الآن ننقل لكم بالنصّ نموذج لطريقة تدريس قديمة لمادة التاريخ في إحدى المدارس السعودية لننظر مدى تطابقها مع النظرية الآنف ذكرها وهي كالتالي:
«توجيهات فنية في مادة التاريخ» للمدرس عبدالسلام أبو طبيخ رحمه الله، يقول أبو طبيخ:
الغرض من دراسة التاريخ: إحاطة التلاميذ بنشأة وطنهم وماله من مجد وعظمة وغرس محبته في نفوسهم وبيان فضله عليه وما بذله الآباء والأجداد في سبيله وإلمامهم بسير العظماء وتضحياتهم وما طرأ على الأمم من رقي وانحطاط للأخذ بأسباب الأول وتجنب الأخر، وينبغي أن يراعى في تدريسه النواحي التهذيبيةِ وتوضيحَ الحقائقَ التاريخيةِ للأطفال بأسلوبٍ قصصيٍ بسيطٍ والعناية بالربط بين التاريخ والجغرافيا وربط حقائق الماضي بالحاضر والاستعانةُ بالصور والرسوم في الشرح وزيارة الآثار نفسها إن أمكن ذلك.
أما عن طريقة التدريس فإن كان الموضوع الذي يراد شرحه قصصياً فينبغي أن يتبع في تدريسه ما يلي:
إذا كانت القصة التاريخية ()؛ فيحسن بالمدرس أن يقصها دفعة واحدة بعد أن يمهّد لها بمقدمة مناسبة مع الاستعانة بوسائل الايضاح.
أما إذا كانت القصة ()؛ فيحسن بالمدرس أن يقسمها إلى أجزاء مناسبة ثم يتلو عليهم الجزء الأول من القصة بأسلوب سهل وأن يستنبط من حقائقه ما يمكن استنباطه مستعيناُ بوسائل الايضاح متى أمكن ذلك، وبعد الإلقاء يراجع ذلك الجزء حتى يتأكد من المامهم به والسير على هذا المنوال في بقية أجزاء القصة حتى إذا ما انتهى من قصّها على التلاميذ راجعها معهم وطالبهم بإلقاء القصة بأسلوبهم ثم يناقشهم بعد ذلك في الفضائل التي وردت بها ويعمل ما أمكنه في ربط القصة بحياتهم وإذا أمكن تمثيلها فيجدر بالمدرس ألا يتأخر عن ذلك.
أما دراسة التراجم فيتبع فيها ما يأتي:
1 - ذكر نسبة الشخص ونشأته وما امتاز به في صغره من أخلاق وعادات.
2 - وصف البيئة الطبيعية والاجتماعية والسياسية وأثرها في حياته.
3 - تعريف مجمل عن حياته بأسلوب قصصي. وما قدمه لأمته وللمجتمع الإنساني من خدمات جليلة بطريق الاستنباط.
4 - الموازنة بينه وبين غيره من المشهورين المعروفين لدى التلاميذ.
أما الآثار فيتبع في تدريسها ما يأتي:
1) عرض النموذج أو الرسم الذي يمثل الأثر وموضوع الدرس والجهة التي هو بها.
2) مناقشة التلاميذ في أجزاء الرسم لاستنباط أوصافها ثم توجيه اسئلة عن الوصف.
3) مناقشة التلاميذ في الغرض من إقامة الأثر ومعاونتهم بالمعلومات التي تمكنهم من إدراكه.
4) مناقشة التلاميذ في الصناعات والفنون التي يحتاج إليها إقامة هذا الأثر وما تكلفه من المال ليصل عن طريق ذلك إلى معرفة حال العصر الذي شيد فيه لهذا الأثر من الناحية العلمية والفنية وربط ذلك بالعصر الحاضر.
أما المعلومات العامة - فيتبع في تدريسها ما يلي:
1) استنتاج موضوع الدرس عن طريق ربطه بالدروس السابقة بعد مقدمة مشوقة.
2) تقسيم المادة إلى أجزاء واستنتاج ما يمكن استنتاجه منها أما العناصر التي يقدر استنتجاها فيحسن بالمدرس أن يلقيها عليهم بأسلوب شائق ليستميلهم إلى الاستماع والفهم.
3) إثبات مفحص لكل قسم عقب الانتهاء منه على السبورة.
4) عرض وسائل الايضاح اللازمة في حينها.
5) كتابة التواريخ الهامة المشهورة على يسار السبورة لتثبت في أذهان التلاميذ ويحسن بالمعلم في درس الحروب أن يعد خريطة صماء على سبورة اضافية وخرائط صماء بأيدي التلاميذ لوضع البيانات عليها، كما ينبغي أن يكلف التلاميذ بنقل الملخص السبوري في كراساتهم عقب الانتهاء من الدرس. انتهى قوله.
المقارنة بين نظرية ديفيد أزوبيل و عبدالسلام أبو طبيخ:
- أزوبيل: إذا قام المتعلم بالاحتفاظ بالمعلومات الجديدة للمادة التعليمية بواسطة دمجها أو ربطها ببنيته المعرفية.
- أبوطبيخ: بعد الإنتهاء من تفريغ طريقة التدريس السابقة للمدرس عبدالسلام أبو طبيخ رحمه الله لاحظتُ أنه أورد كلمة «ربط» في طريقةِ تدريسهِ خمسَ مراتٍ، وكلمةُ «مناقشة» وردت ثلاثَ مراتٍ، وكلمة «استنتاج» وردت ثلاثَ مراتٍ، وكلمة «استنباط» وردت ثلاث مراتٍ، وهذا مما يدل على أن التعلم الإستقبالي ذو معنى في المدارس السعودية منذ القدم قبل أن يتحدث عنه ديفيد أوزبل بيد أن ديفيد أوزبل وضع نظريته ذاتُ القيمةِ العاليةِ والتي يستنارُ بها وهذه النظريةُ لها شرائحُ متعددةٌ.
وهناك خطاب مرفق صورته من وزير المعارف آنذاك موجهٌ إلى إدارة التعليم في نجد برقم 10279/ 2، وتاريخ 16-6-1374هـ والتي -أي إدارة التعليم في نجد- بدورها أرسلته للمدارس فمن ضمن ما نص الخطاب الآتي:
كما لوحظ من معلمي المدارس يعتمدون على الحفظ والإستظهار من جانب التلاميذ دون اعتمادهم على ما يحفظون وإدراك معاني ما يستظهرون وذلك خطأ أعظم الخطأ يجب أن يتجنبه المعلمون لمخالفتهِ لأصولِ فنِّ التعليمِ والواجبُ عليهم مراعاتهُ في تعليمهم وفي طرائق تدريسهم للتلاميذ هو تقويةُ ملكةُ الفهمِ وتنميةُ قوى الإدراكِ في نفوسهم بدلا من التعويلِ على طريقةِ الحفظ ِالآلي.. إلخ.
الخاتمة: مما يستفاد في هذا المقال -في ظني- مشاركة الخبرات السابقة ونقل المعرفة لمن أراد الاستفادة، هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
* * *
1 - كتاب: بداية التعليم النظامي في حريملاء - مدرسة حريملاء الإبتدائية لمؤلفه: صاحب هذا المقال.
2 - اليماني / عبد الكريم علي / 2009 / استراتيجيات التعلم والتعليم / الطبعة الاولى / مطبعة زمزم.
3- الغريري، سعدي جاسم، نظرية أوزبل في التعلم ذو المعنى، جامعة المستنصرية بالعراق.
4 - عبدالسلام أبو طبيخ مدرس في حريملاء منذ عام 1374هـ وحتى 1375هـ، معلم متمكن ،كما ذكر لي ذلك أحدُ زملائهِ. توفي أبو طبيخ في مصر وأصله من فلسطين.
5 - هناك قوسان فارغان لسقوط الكلمتين سهواً في ذات طريقة التدريس؛ فأظنه يقصد في الأولى: إذا كانت القصة (قصيرة)، وفي الثاني : فإذا كانت القصة (طويلة).
** **
فهد الدهمش المسعري - مدير مكتب ركن الجبل للبحوث والدراسات