الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
جاء الإسلام بالآداب ومكارم الأخلاق من أجل تربية الناس تربية إسلامية وتحليهم بالأخلاق الحسنة، وحثهم على العمل وعدم الكسل، بل حذر الإسلام من الكسل وذمه بشدة، لأنه يعد آفة تميت الحياة وتفسد المجتمع وتشل الحركة الاقتصادية، كما أن هذا الداء القتال سبب من أسباب فوات الخيرات والمكاسب الدينية والدنيوية.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في الشؤون الأسرية والاجتماعية والطبية، للتعرف على كيفية ترسيخ المنهج الإسلامي النبيل في المجتمع لمعالجة مشكلة الكسل والخمول التي استوطنت في نفوس بعض الناس؛ فماذا قالوا؟
خطوات عملية
وتشير الدكتورة هيفاء بنت عثمان فدا عضو مجلس إدارة الجمعيات الأهلية بمنطقة مكة المكرمة، رئيسة مجلس إدارة يسر للتّنمية الأسرية إلى أن ترسيخ المنهج الإسلامي في معالجة مشكلة الكسل والخمول يتطلب عدة خطوات؛ منها: التوعية والتثقيف من خلال تنظيم ورش عمل ومحاضرات تعزز القيم الإسلامية وتشجع على العمل والجدية، مع إبراز الآيات والأحاديث التي تحث على النشاط، وإبراز القدوة الحسنة فهناك نماذج إيجابية من الأفراد الذين يجسدون هذه القيم، مثل العلماء والناجحين في مجالاتهم.
وتحفيز المجتمع عبر إنشاء برامج تحفيزية تسهم في تعزيز روح المنافسة والإنتاجية، مثل مسابقات في المعرفة أو العمل التطوعي، ودعم الشباب بتوفير فرص عمل وتدريب لهم، لتمكينهم من اكتساب المهارات اللازمة وتحفيزهم على الانخراط في المجتمع.
وأخيرًا تعزيز الإيمان والعبادة والذكر فيشعر الأفراد بأهمية العمل والإنتاج بوصفه جزءًا من العبادة.
وتوقعت د. هيفاء فدا أنه باتباع هذه الخطوات، يمكننا تعزيز ثقافة العمل والجدية في المجتمع، مما يسهم في التغلب على مشكلة الكسل والخمول.
آفة كبرى
ويطالب الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بالرياض بالبحث عن أسباب الكسل الذي ينتاب بعض الناس، وذلك لأن معرفة الأسباب تؤدي للوصول إلى سبل العلاج ومن هنا يجب أن نفرق بين الكسل كنمط اجتماعي والكسل عندما يكون عرضاً من أعراض الأمراض النفسية أو نتيجة للمرض العضوي لأن البرنامج العلاجي للتخلص من هذا الكسل سيتركز على معرفة الأسباب في الحالتين بالتأكيد لكي نستأصل هذا الداء اللعين من جذوره، ويجب أن نعترف أن الكسل أصبح آفة كبرى في المجتمعات العربية خصوصاً وباقي دول العالم عموماً. فالعصر الذي نعيشه الآن رغم التقدم والحضارة والتكنولوجيا وما أحدثه من طفرة في خدمة ورفاهية الناس عن طريق سهولة وسرعة التنقل والتحرك والاتصالات والأسواق وتوفير كل مستلزمات الراحة والترفيه للبشرية كل ذلك قد انعكس سلباً على الناس وأدى إلى حالة من الكسل العام لدى معظم أفراد المجتمعات وانعدام الباعث على المجهود فالكل ركب السيارات وسافر بالطائرات ويستخدم المصاعد وما إلى ذلك من وسائل الراحة وبالتالي زاد الكسل لدى الناس وانتشرت السمنة المفرطة بدرجة مخيفة بين الشباب يغذيها عامل قلة توافر فرص العمل وازدياد معدلات البطالة مع ثقافة الاتكالية على الآباء في كل شيء من جانب الشباب وتفضيل الجلوس على المقاهي أو أمام شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الترفيه التي أدت لحالة من الكسل العام حتى أن الناس في هذه الأيام لم تعد تتزاور ولو في الأعياد واكتفوا برسائل المعايدة من الجوالات!!
ويبين د. عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بالرياض: إن هذا الكسل النمطي أخطر من الكسل المرضي لأن الشخص النشيط المنتج والفاعل في المجتمع عندما يحدث له كسل مؤقت بسبب مرض نفسي كالاكتئاب أو تعاطي المهدئات أو نتيجة مرض عضوي مثل اضطراب الغدة الدرقية فيقوم باللجوء للطبيب والوصول للتشخيص وأخذ العلاج ويتخلص الشخص من هذه المشكلة ولكن الكسل النمطي كالسوس ينخر في شباب الأمة ويتغلغل بين الناس ويحتاج لثورة شاملة على كل العوامل المهيأة والمؤدية لهذا الكسل حتى تنهض الشعوب من نومها العميق.
آفتان مفسدتان
ويؤكد الدكتور خالد بن محمد السرحان أستاذ علم الاجتماع أن الإسلام ليهذب النفوس ويرقى بالأخلاق، ومن أهم ما ركز عليه الإسلام هو حث الناس على العمل والاجتهاد في الحياة. فالعمل في الإسلام ليس فقط وسيلة لكسب الرزق، بل هو عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15). هذه الآية الكريمة تحث على السعي والعمل والاجتهاد في الأرض للوصول إلى الرزق، وفي المقابل، حذر الإسلام من الكسل والخمول، واعتبرهما آفتين تفسدان الحياة وتشلان الحركة الاقتصادية، والكسل يؤدي إلى فوات الخيرات والمكاسب الدينية والدنيوية، ويجعل الإنسان عالة على غيره. يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده» (رواه البخاري). هذا الحديث الشريف يشجع على العمل اليدوي والاجتهاد في كسب الرزق.
وهنا نؤكد على دور المجتمع الذي يلعب دورًا مهمًا في تشجيع العمل والاجتهاد، من حيث:
1 - تعزيز قيم العمل والاجتهاد في المجتمع من خلال التربية والتعليم، وتشجيع الأجيال الشابة على العمل والاعتماد على الذات.
2 - تعزيز روح التكافل والتعاون في المجتمع، ومساعدة المحتاجين والفقراء ليتجاوزوا أزماتهم ويصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع.
3 - أن يكون الأفراد المؤثرون في المجتمع قدوة حسنة في العمل والاجتهاد، وأن يشجعوا الناس على ذلك.
4 - توفير فرص العمل والتدريب للناس، لتمكينهم من الحصول على وظائف وفرص عمل مناسبة.
ويمكن القول إن الإسلام يحث على العمل والاجتهاد وينهى عن الكسل والخمول. من خلال التربية الإسلامية الصحيحة والقدوة الحسنة والتكافل الاجتماعي والتعليم والتدريب يمكننا ترسيخ المنهج الإسلامي في المجتمع ومعالجة مشكلة الكسل والخمول، وبهذه الطريقة يمكننا بناء مجتمع قوي ومتماسك يعتمد على العمل والاجتهاد في تحقيق أهدافه وطموحاته.