علي بن سعد القحطاني - الرياض:
بعد مسيرة علمية ودعوية وإفتائية حافلة امتدت لعقود طويلة، كان خلالها صوت الفتوى ومنبر العلم ومرجعاً للأمة، انتقل إلى رحمة الله تعالى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ولد في عام 1362هـ (1943م) في أسرة علمية عريقة من آل الشيخ، أحفاد الإمام محمد بن عبدالوهاب، والتحق بمعهد إمام الدعوة بالرياض، ثم بدأ حياته العملية مدرسًا فيه عام 1384هـ (1964م)، قبل أن يتدرج أكاديميًا أستاذًا في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وفي عام 1389هـ (1969م) تولى الإمامة والخطابة في جامع الشيخ محمد بن إبراهيم بالرياض، فكان صوته حاضرًا على منابر الوعظ والتوجيه، ثم عُيّن عام 1402هـ (1982م) إمامًا وخطيبًا لمسجد نمرة بعرفة، وظل يلقي خطبة يوم عرفة بلا انقطاع مدة 35 عامًا، في أطول مدة عرفها المنبر في العصر الحديث.
وفي شوال 1407هـ (يونيو 1987م) انضم إلى هيئة كبار العلماء، ثم عُيّن عضوًا متفرغًا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عام 1412هـ (1991م)، كما تولى في العام نفسه إمامة جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض، الذي أقيمت فيه جنازته بعد وفاته بثمانية وثلاثين عامًا.
وفي 29 محرم 1420هـ (15 مايو 1999م) صدر الأمر الملكي بتعيينه مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية، ورئيسًا لهيئة كبار العلماء، ورئيسًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، خلفًا للإمام عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-، ليكون ثالث من يتولى هذا المنصب في تاريخ المملكة، وقد استمر فيه حتى وفاته في 1 ربيع الآخر 1447هـ (23 سبتمبر 2025م).
لم يقتصر حضوره على المناصب الرسمية، بل امتد إلى البرامج الدينية عبر الإذاعة والتلفاز السعودي، حيث اعتاد الإجابة عن أسئلة الناس، والإشراف على القضايا الشرعية الكبرى بمنهج علمي راسخ، جامعًا بين وضوح البيان ورسوخ الدليل.وبرحيله، يطوي العالم الإسلامي صفحة عالم جليل من علماء الأمة، ترك أثرًا عميقًا في الدعوة والإفتاء والتعليم، وسيرة حافلة بالعطاء ستبقى شاهدة على مكانته ودوره البارز في تاريخ المؤسسة الدينية السعودية.
الأمين العام لهيئة كبار العلماء
وأعرب الأمين العام لهيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور فهد الماجد عن بالغ حزنه العميق برحيل الفقيد وقال: «أرفع أحر التعازي إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- وإلى الشعب السعودي الكريم والعالم الإسلامي في وفاة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء، الذي وافته المنية.»
وأضاف الماجد: «نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويرفع درجته، ويسكنه فسيح جناته،و(إنّا لله وإنّا إليه راجعون)،وتابع: لقد كان سماحته -رحمه الله- عالماً جليلاً أفنى عمره في خدمة الدين ثم الوطن والأمة، منذ إمامته في الجامع الكبير، مروراً بعضويته في هيئة كبار العلماء، ثم نائباً للمفتي، وصولاً إلى منصب المفتي العام ورئاسة الهيئة.»
وأشار الدكتورالماجد إلى أن الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ كان «عالماً قدوة، ومربياً فاضلاً، وزاهداً متواضعاً، أحبه القريب والبعيد، وكان قريباً من إخوانه العلماء، يستشيرهم ويستمع لآرائهم، ولا يُصدر قراراً إلا بعد مشاورتهم، وأوضح أن رئاسة سماحته لهيئة كبار العلماء جعلتها مثالاً للمؤسسة العلمية المنضبطة المتزنة، التي تصدر قراراتها وبياناتها وفق الأصول الشرعية، مراعية المصلحة الدينية والوطنية.
كما وصفه بأنه كان باباً مشرعاً أمام الجميع، صغاراً وكباراً، مسؤولين وعامة، ولم ينقطع عن الدروس العلمية والمواعظ الدينية رغم تقدمه في السن، حتى في موسم الحج الأخير حيث كانت الكتب تُقرأ عليه في المشاعر.»
وأضاف الدكتور الماجد: «كان سماحته صاحب قرآن وتلاوة، يلهج بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، متسامحاً متواضعاً قريباً من الجميع، يفرح لأفراحهم ويتألم لآلامهم ، طيلة 17 عاماً من صحبتي له في هيئة كبار العلماء لم أسمع منه كلمة تؤذي مشاعر أحد، بل كان يوجه بلطف ورفق، حريصاً على صفاء القلوب وسلامة النفوس.»
وختم الدكتور الماجد حديثه قائلاً: «رحم الله سماحة المفتي، وجعل ما قدم في ميزان حسناته، وأسكنه الفردوس الأعلى، وألهم أسرته والشعب السعودي والأمة الإسلامية الصبر والسلوان.»
وقد نعى الفقيد أصحاب السمو الأمراء والفضيلة والمعالي ومؤسسات الدولة والمواطنون والشعوب العربية والإسلامية سائلين الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.