بلغنا نبأ وفاة الشيخ عبدالعزيز بن عجلان بن سعد العجلان «أبوعجلان» -رحمه الله- صباح يوم الجمعة 4 ذي القعدة 1446هـ، الثاني من مايو 2025، فغشانا وجعٌ صامت، كأن الأرض سكنت لحظة فراقه، ورجّت القلوب بصوتٍ لا يُسمع، لكنه يُحس في الأعماق.
لقد غاب وجهٌ ألفناه في ميادين الخير، وافتقدنا رجلًا لم يكن مجرد والد، بل كان طودًا من الطيبة، وسِراجًا مضيئًا في دروب من عرفوه.
الشيخ عبدالعزيز -رحمه الله- لم يكن شخصيةً عابرة، بل بصمةً خالدة في الذاكرة المجتمعية. كان رجلًا عظيمًا في تواضعه، بسيطًا في مظهره، كبيرًا في أثره، عميقًا في محبته للناس، حاضرًا في كل وجع، سخيًا في كل موسم عطاء. لا يعرف الفقراء إلا وجهه الباسم، ولا يتذكره المحتاجون إلا ويده في أيديهم، وماله في خدمتهم، وقلبه يسبق خطاه.
عزاؤنا أنه مضى إلى ربه في يومٍ نحسبه من أعظم أيام الدنيا، يوم الجمعة، وقد صلي عليه ووري الثرى في اليوم التالي، السبت الثالث من مايو، بحضورٍ مهيب، امتلأت فيه جنبات المسجد بالمصلين، وتعالت فيه الدعوات من صدورٍ أحبته بصدق.
حضرت الجموع من كل مكان، وازدحمت دار العزاء في داره العامرة بالخير، في الرياض ورغبة، بقلوبٍ دامعة، وألسنة تلهج بالثناء والدعاء، وجباهٍ توقن أن الراحل لم يكن عاديًا في حضوره، ولا عاديًا في غيابه.
في شهر رمضان من كل عام، كان الشيخ عبدالعزيز يترك كل شيء خلفه، ويركب سيارته وحده، مع سائقه فقط، يطوف القرى، ويزور الهجر والبادية، حاملاً أموال الزكاة التي اختصها بنفسه، يسلمها بيده لمستحقيها، لا عبر لجان ولا وسيط. يعرف الأرامل بأسمائهن، ويحفظ وجوه كبار السن، ويتفقد البيوت بيتًا بيتًا، وكأنه يعرف ألمهم قبل أن يسمعوه، ويشعر بحاجتهم قبل أن يبوحوا بها.
كان من أولئك القلائل الذين لا تُقيدهم المناسبات، ولا ينتظرون الدعوات، بل يبادر في كل حين، يطرق الأبواب دون رياء، ويفتح صدره قبل أن يفتح محفظته. لم يعرف المظاهر، ولم يُشغله المجد عن الجد، وكان يربي أبناءه على هذه السجايا، فأنشأ رجالًا نفتخر بهم اليوم كما افتخر بهم حيًّا.
أبناؤه: عجلان، محمد، فهد، خالد، ومتعب، هم امتداد حقيقي لهذا النهر الذي لم ينقطع، وسيرتهم في ميادين العمل والخير والفضل، ثمرة لتربية والدهم وحنان والدتهم الفاضلة أم عجلان، السيدة الصالحة التي كانت سندًا له في دربه الطويل، وركنًا من أركان بيته العامر بالإيمان والتقوى. كما ترك خلفه كريماته الفضليات، وأحفاده البررة، الذين سيحملون إرثه ويخلّدون سيرته بأعمالهم وسيرهم. وإذا كان البعض يترك وصيته على ورق، فإن الشيخ عبدالعزيز ترك وصيته في القلوب. كان عمله الخيري امتدادًا لطيبة قلبه، يخطط بنفسه، ويصرف من ماله، ويتابع التفاصيل حتى في صغائر الأمور، لا يُشبع حاجته إلا أن يرى الفرح في عيون الآخرين.
لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى. نحزن على فراقه، وقلوبنا مكسورة، لكننا نطمئن إلى عدل الله ورحمته، ونرتاح لفكرة أنه غادر في وقتٍ طيب، على حالٍ طيبة، وهو الذي قضى عمره في بذل الطيب وصنع المعروف.
نسأل الله أن يكرم نزله، ويوسّع مدخله، ويجعله من أهل الفردوس الأعلى، وأن يجبر كسر قلوبنا، ويجمعنا به في دار لا فراق فيها، ولا حزن..
خالص تعازينا ومواساتنا لأسرة الفقيد ولكافة أسرة العجلان الكريمة..
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- محمد الناصر