عَلمٌ من الأعلام غُيب في الثرى
فثوى رهين جنادل وتراب
ففي صباح يوم الثلاثاء 1-4-1447هـ، ودعت المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وذلك بعد حياة حافلة بالعلم والدعوة والخطابة والإفتاء، وقد أديت الصلاة عليه بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبدالله بمدينة الرياض، وتقدم المصلين عليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، وأصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء وأصحاب الفضيلة وأقاربه وجمع غفير من طلابه ومحبيه، ثم حمل جثمانه الطاهر إلى مقبرة (العود) حيث وُورِي الثرى هناك في أجواء حزن على رحيله.
وكانت ولادته بمكة المكرمة عام 1362هـ، ونشأ وترعرع في بيت علم ودين، وقد توفي والده وهو ابن تسع سنوات وتولت والدته الصالحة سارة بنت إبراهيم الجهيمي -رحمهما الله- رعايته وحثه على حفظ القرآن وطلب العلم، وذلك مٌنذ عام 1369هـ إلى أن أكمل حفظ القرآن الكريم في عام 1374هـ وهو ابن اثني عشر عاماً على يد الشيح محمد بن سنان -رحمه الله-، بعد ذلك التحق بمعهد إمام الدعوة، وذلك في عام 1374هـ إلى أن أكمل الشهادة الثانوية منه في عام 1380هـ، والتحق بكلية الشريعة إلى أن نال الشهادة العالية منها وذلك في عام 1384هـ.
وعٌين معلماً في معهد إمام الدعوة بالرياض، وذلك في عام 1384هـ إلى عام 1392هـ حيث انتقل إلى كلية الشريعة بالرياض أستاذاً مشاركاً فيها إضافة إلى التدريس في المعهد العالي للقضاء.
ولقد ابتلاه الله بفقد البصر في شبابه ولم يعقه ذلك عن مواصلة طلب العلم ولسان حاله يردد هذين البيتين:
إن يأخذ اللهُ من عينيَّ نورَهما
ففي لساني وقلبي منهما نورُ
أرى بقلبِيَ دُنيايَ وَآخرَتِي
وَالقلبُ يُدرِكُ ما لاَ يُدرِكُ البَصرُ
وقد كان شغوفاً بطلب العلم الشرعي؛ حيث قرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - مفتى الديار السعودية - كتاب التوحيد والأصول الثلاثة والأربعين النووية منذٌ عام 1374هـ إلى 1380هـ، وقرأ على الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء علم الفرائض وغيرها من العلوم الشرعية، وذلك منذ عام 1377هـ إلى 1380هـ، وقرأ على الشيخ عبدالعزيز بن صالح المرشد علوم الفرائض والنحو والتوحيد، وذلك في عام 1379هـ، وقرأ على الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب الشثري كتاب عمدة الأحكام وزاد المستقنع وذلك في عامي 1375هـ و1376هـ.
وقد تولى الإمامة والخطابة في جامع الشيخ محمد بن إبراهيم بدخنه بالرياض وذلك بعد وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم عام 1389هـ، وكذلك تولى الإمامة والخطبة بمسجد نمرة في عرفة منذ عام 1402م إلى عام 1436هـ، وكان إماما وخطيبا في جامع الامام تركي بن عبدالله بالرياض منذ شهر رمضان عام 1412هـ.
وكان - رحمه الله- عضواً في هيئة كبار العلماء منذ عام 1407هـ، وعضو متفرغ في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء وذلك منذ شهر رجب من عام 1412هـ، وصدر الأمر السامي الكريم بتعينه نائباً للمفتي العام للمملكة العربية السعودية بمرتبة وزير وذلك في شهر شعبان من عام 1416هـ. وبعد وفاة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه اللّه - صدر الأمر الملكي الكريم في 29-1-1420هـ بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة العربية السعودية ورئيساً لهيئة كبار العلماء والبحوث العلمية والافتاء.
وللفقيد حضور مميز في المحافل العلمية والمشاركة في الندوات وإلقاء المحاضرات والدروس والمشاركة كذلك في البرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون، وكان رحمه الله كثير العبادة وملازماً لقراءة القرآن الكريم وقيام الليل وكثرة الذكر والاستغفار ولا يكاد يخلو مجلسه من طلبه العلم وقراءة المتون والشرح عليها حتى قبيل وفاته بأيام قليلة، رغم ما يعانيه من متاعب صحية، فقد نذر حياته في طلب العلم وتبليغه والنصح والإرشاد للأمة الإسلامية، فقد كان محباً للخير وداعياً له ومحذراً من الشر وناهياً عنه. وكان صافي القلب مع العلماء وطلبة العلم، وكان لسانه عفيفاً ومثنياً وعاذراً متفهماً للخلاف وناصحاً وكان محبوباً لدى الجميع.
وأَحسَنُ الحالاتِ حالُ امرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعـده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُهُ
وكان رحمه الله عالماً وإماماً جليلاً يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإلى نبذ العنف والتعصب وإلى محبة المسلمين بعضهم لبعض والنصح لولاة أمر المسلمين والدعاء لهم فقد كان نعم العالم الناصح.
فـرٌبَّ ضـرير قـادّ جيلاً إلى العلا
وقـائدُه فـي الـسير عُودٌ من الشجر
وكـم مـن كـفيف في الزمان مُشَهَّرٍ
لـيـاليه أوضـاحٌ، وأيـامه غُـررْ
ولنا مع سماحة الشيخ تواصل ولقاءات بين حين وآخر، ولا ننسى تشريفه منزلنا في محافظة حريملاء أثناء حضوره إحدى المناسبات، ولقاءنا به في محافظة الطائف أثناء زيارتنا إلى أبن زميلنا بدار التوحيد الدكتور عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في منتجعه بالشفا.
ولئن غاب عن نواظرنا، وبات تحت طيات الثرى، فإن ذكره الحسن لا يبرح خواطرنا، تغمد لله سماحة الشيخ بواسع رحمته وألهم أبناءه وبناته وعقيلته وكافة أسرة آل الشيخ والشعب السعودي والمسلمين عامة الصبر والسلوان.
ستلقى الذي قدمت للنفس محضرا
فأنت بما تأتي من الخير أسعدُ
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف