حَبيبٌ عَنِ الأحبابِ شطّتْ بهِ النّوَى
وأيُّ حَبيبٍ ما أتَى دونَهُ البُعْدُ
الموفق في هذه الحياة الدنيا من يرحل عنها بالذكر الحسن والسمعة الطيبة ومحبة الناس له فهم شهداء الله في أرضه، كما قال الرسول الله عليه وسلم. وهذا يذكرنا بالأستاذ عبدالرحمن بن محمد إبراهيم أبا عود -أبا محمد- والذي انتقل إلى رحمه الله بعد معاناته مع المرض، حيث ظل صابراً محتسباً إلى أن فاضت روحه الطاهرة يوم السبت 21-3-1447هـ، وتمت الصلاة عليه بعد عصر يوم الاحد 22-3-1447هـ، بجامع عبدالله المهيني شمال الرياض ثم حٌمل جثمانه الطاهر إلى مهوى رأسه (ملهم)، حيث وُورِي الثرى في مقبرة «الشعبة» في أجواء حزن وأسى على رحيله رحمه الله.
وقد ولد الفقيد في بلدة ملهم عام 1365، وتربى في كنف عمه عبدالله بن ابراهيم أبا عود بعد وفاة والده وهو لايزال صغيرا، وتلقى تعليمه الأولي في القرآن الكريم على يد الشيخ عبدالعزيز بن عثمان أبا عود، ليتدرج بعد ذلك في مراحل التعليم بمدرسة ملهم الابتدائية وتخرج منها عام 1380هـ، ثم أكمل تعليمه بمعهد المعلمين بمدينة الرياض، وفي عام 1384هـ عُين معلماً في مدرسة ملهم فترة قصيرة ثم رشح مدير لها وأكمل خدمته 40 عام مدير لمجمع ملهم التعليمي حيث تقاعد عام 1425هـ، فكان نعم المربي والموجه تاركاً أثرًا طيبًا وذكرًا حسنًا بين أبنائه الطلاب وزملائه العاملين معه في ميدان التعليم.
وبالإضافة إلى ذلك فقد كان إماما وخطيبا لجامع ملهم منذ عام 1402 هـ ولمدة 42 عاما حتى حالت ظروفه الصحية دون الاستمرار. وكان من وجهاء ملهم؛ تلك البلدة التي تقع شمال غرب مدينة الرياض والتي تشتهر برجالها الكرماء الأوفياء وبنخيلها الباسقات التي تجود بأطايب الثمر وقد خلدها التاريخ منذ القدم.
ولم تقتصر جهوده في التعليم والإمامة والخطابة، بل كان فاعلاً في خدمة مجتمعه، من خلال عضويته في عدد من الجمعيات واللجان الخيرية والتعاونية، فكان عضواً في جمعية البر الخيرية بحريملاء، ومؤسس وعضو في الجمعية التعاونية بمركز ملهم وفي المجلس البلدي، وعضو في الجمعية التعاونية بالقرينة وعضو بالجمعية التعاونية بحريملاء. وكان محبوباً لدى الجميع لما يتمتع به من دماثة الخلق وطيب المعشر ولين الجانب:
وَجهٌ عَليهِ مِنَ الحَيَاءِ سَكِينَةٌ
وَمَحبَّةٌ تَجرِي مَعَ الَأنفَاسِ
ولى مع أبي محمد رحمه الله ذكريات جميلة ومعرفة استمرت لعشرات السنين وزيارات متبادلة، ولا يكاد يخلو مجلسه من الضيوف ويدعونا لحضور تلك المناسبات ويبالغ في الاكرام والحفاوة.
حَبِيبٌ إلى الزُّوّارِ غِشْيَانُ بَيْتِهِ
جَمَيلُ المُحَيّا، شَبَّ وهْوَ «كَريمُ»
ولقد كان أبو محمد محبًا للخير باذلاً للمعروف ونفع الناس، حيث كان كريماً واصلاً لرحمه عطوفاً على الارامل واليتامى والمساكين متلمساً لحاجات الفقراء. وكان منزله مفتوحاً للضيوف من أقاربه وأصحابه ومعارفه:
قَضَيتَ حَياةً مِلؤُها البِرُّ وَالتُقى
فَأَنتَ بِأَجرِ المُتَّقينَ جَديرُ
تغمد الله أبا محمد بواسع رحمته وأسكنه عالي الجنان وألهم أخويه الفاضلين إبراهيم وحمد وأبناءه وبناته وعقيلته أم محمد وأسرة أبا عود ومحبيه الصبر والسلوان.
تولّى وأبقى بيننا طيب ذكره
كباقي ضياء الشّمس حين تغيبُ
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف